فلسنا نعرف شيئاً عن باطن سليمان، ولا عن مذهبه في الحياة إن كان له فيها مذهب، ولا عن وازعه الخلقي، ولا عن صلة كل هذا بما يظهر من أعماله في الحياة الخارجية وبحظه فيها من سعادة وشقاء له ولمن يحيط به. بل كل ما نعرفه عنه أنه أوتي الحكمة والثراء، وأنه أحب بلقيس قضاء وقدراً، وأن بلقيس لم تحبه قضاء وقدراً أيضاً، فسعى له العفريت لاستمالة قلبها إليه بالوسائل التي نعرفها في القصة؛ فلما لم يفلح علم أن كل شيء بقضاء وقدر. ويمكننا أن نقول نفس الشيء بالنسبة لبلقيس ومنذر وغيرها، فبلقيس أحبت منذراً دون أن يحبها، فسعت لاستمالة قلبه إليها على غير جدوى، وبقدرة قادر استبان لها أن كل ذلك كان بقضاء وقدر. وأحب الصياد الجارية التي اشتراها بماله ولم تحبه، فسرحها من فوره، ولم يحاول أن يستميلها إليه كما فعل سليمان، وعرف من البداية أن كل ذلك بقضاء وقدر. عرف ذلك لأنه لم يعط ما أعطى لسليمان من القدرة التي تحجب المعرفة عن الإنسان وتجنح به دائماً - على ما يفهم من الفلسفة الأستاذ الحكيم - إلى أن يسيء استعمالها فيحاول المحال. يقول على لسان سليمان:(هي القوة يا بلقيس تغمض بصائرنا أحياناً عن رؤية عجزنا الآدمي، وتنينا ما منحنا من حكمة، وتزين لنا المضي في كفاح لا أمل فيه. . . فنسير بغرورنا تحت نظرات الرب الساخرة. . . آه يا بلقيس ليس يخشى شيء على الحكمة غير القدرة. . . الآن أدرك لماذا أعطاني ربي وهو السلطان والغنى والقدرة إلى جانب ما سألت وهو التمييز والحكمة). فليس يتميز الإنسان إذن إلا بما يحوطه من مظاهر الحياة الخارجية.
وكان الطبيعي أن تؤدي تفاهة الشخصيات وسطحيتها إلى خلوها من الصراع الداخلي (من أي نوع كان) خلواً يكاد يكون تاماً. أما الصراع الخارجي، صراع الإنسان ضد القوة الخفية التي أراد الكاتب الكريم أن يجعلها أساساً لمسرحيته، فلا يكاد يحسه القارئ في شيء؛ لأن الإنسان فيها إذا صارع هذه القوة، لم يفعله إلا بوحي من هذه القوة نفسها، وكان صراعه معها أقرب إلى العبث منه إلى الجد، لأنه صراع مدبر مصطنع، صراع الملهاة لا صراع المأساة، صادر من شخصيات سلبية، إذا صح لنا أن نستعمل هذا التعبير. وإذا خلت التراجيدية من الصراع، فقد فقدت كيانها كما يذهب الأستاذ الحكيم نفسه في رأيه الذي