للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أشرنا إليه في المقال السابق. وكانت نتيجة كل ذلك لصوق الرواية بحروفها، وضحالة حوارها وجموده. نعم نحن لا نخفي إعجابنا الشديد بمهارة الأستاذ النادرة في إدارة الحوار، وقدرته الفذة في جعله يتتابع بعضه من بعض سلساً كالماء، دون أن يبدو فيه أدنى تكلف. ولكنه خلو من الحياة والحركة؛ إذ كان أصحابه شخصيات مجردة منهما. وذلك يجعل إحساسنا بوجود تلك الشخصيات الإنسانية التي مسخت أحجاراً؛ فجاء حوارهم حواراً غير مسرحي، وصار الكتاب من الوجهة الفنية، أشبه بمحاورات أفلاطون مثلا منه برواية تمثيلية. فلولا تدخل الكاتب في كل حين ليلقي بحكمه وأحكامه الحلقية والميتافيزيقية لتعذر على القارئ فهم غرضه من روايته ونظرته للحياة. من مجرد تتبعه لمسلك أبطاله النفسي (إذا سلمنا بأن في الرواية ما يشعر بما يبدو في طوايا نفوسهم) والخارجي. ولعل الفصلين السادس والسابع من الرواية خير شاهد على ما نقول، ففيهما يحاول الأستاذ أن يلخص وجهة نظره، ويحرر دعواه الفلسفية، ويستخلص مغزى قصته، التي كان قد نوى أن تحملها عنه أحداث الرواية إلى القراء والشاهدين؛ يفعل ذلك على نحو ما يفعل مؤلفو الدراسات والرسائل العلمية فيما يسمونه بالخاتمة ولكنه يرسله على شكل حوار على لسان أبطاله. والواقع أن هذا العمل ضروري لإيضاح مقاصد المسرحية ولكنه عمل غير مسرحي.

والآن إذا أردنا أن نجمل في سطور ما فصلناه في مقالاتنا الثلاثة قلنا بأن أساس الفكرة التي بنا عليها الأستاذ توفيق الحكيم قصته غير سديد، ولا سيما أن استخراج هذه الفكرة من وقائع المسرحية أمر عسير، بل قد توحي هذه الوقائع نفسها على ما فيها من بعد عن واقع الحياة الحقيقي - بعكس الفكرة المدعاة، وفي تلك الحياة يبدو التناقض من وقائع الرواية وبين الحكم والأحكام التي ينطق بها المؤلف أبطاله. ولما كانت فكرة الرواية غير جديرة بإثارة الجمهور أو تحريك عواطفه، كان حظ الرواية من النجاح في التمثيل ضئيلا. وإذا أضفنا إلى ذلك تفاهة شخصياتها وحرمانهم من الحركة الذاتية، نقول كل هذه الأشياء مجتمعة تبعد عن الرواية صفة المسرحية الحقة بعداً شاسعاً. كما أن اطمئنان الأشخاص النفسي، إلا فيما يضيف المؤلف في حكمه على لسانها من قلق لا يظهر أثرها في مسلكها في الحياة، مما جعل الرواية خالية من كل صراع.

وبعد فتلك دراسة إجمالية للرواية لا ندعي لها الشمول؛ فقد تركنا التفاصيل جانباً، ولم نهتم

<<  <  ج:
ص:  >  >>