للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت الجماعات، فيما سلف، لا ينالها القانون والسلطان إلا في بعض شئونها، ولكن حكومات هذا العصر تشرف على كل شيء، بالإجبار أو الإرشاد، فالتعليم والصحة والرياضة وأمور اجتماعية كثيرة تتولاها الحكومات أو الهيئات تقرها الحكومة وكانت من قبل لا تعنى بها الحكومات إلا قليلا.

فلا جرم أن هذه الحكومات والجماعات المختلفة قادرة على الهداية والرقابة والتقويم والتهذيب إن عنيت بالأمور النفسية والاجتماعية العناية الخليقة بها

وليس على الهداية الرقابة جور على الحرية. فإن الحكومة والهيئات الأخرى مشتقة من الأمة قائمة باختيارها ورضاها. والأمة تغتبط بأن تفيد بكل نظام صالح، وتربط بكل خلق كريم وسنة حميدة، وتصد عما يضر بها ويذهب بسعادتها.

ثم الصحف والمدارس ما خطبها في التقويم والإصلاح والقيام على النشء والإشراف على الجماعة؟ إن خطبها لعظيم. فأين هي من احتمال الاضطلاع بالعبء وتأدية الواجب؟ إن لكل منها لحديثاُ، وأبدأ بحديث الصحافة:

هي من نعم هذا العصر ومحاسنه، وهي من نقمه ومساوئه. وهي عظيمة الخطر كبيرة الأثر في الجماعات. تطلع على الناس صباح مساء بأخبار وآراء، وعلم وفن، وأمر ونهي، وجد وهزل، لا تدع أمراُ مما يهم الإنسان في معيشته الخاصة، أو أحوال الجماعة التي يعيش فيها، أو الأمم الأخرى إلا عرضت عليه خبراُ عنه، أو رأيا فيه، أو نبذة من علم يتصل به، أو فن يرجع أليه، أو تاريخ يبينه، أو قصة تصوره.

وهي تنتشر في كل جانب وتلقى الإنسان في طريقه وداره ومدرسته ومتجره ومصنعه وحيثما كان في شأن عام أو خاص. تطلبه وإن لم يطلبها، وتقتحم عليه وإن لم يدعها.

وأمر الصحافة أبين وأوضح، وأشيع وأجليمن أن يعني الكاتب ببيانه، أو يحس حاجة إلىالكلام فيه.

فانظر كيف أثرها إن صدقت، وتحرت الصدق، وطلبت الحق، وأخلصت في طلبه، وعملت للخير ودعت إليه، وسارت على طريقه لا تحيد ولا تضل، ولا تميل ولا تزيغ ولا تجور ولا تحابي!

وانظر كيف أثرها إن خلطت صدقاُ بكذب، ولبست حقاُ بباطل، وعملت لنصرة فرد أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>