للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طائفة أو حزب، وزينت لها العصبية أن تزين كل ما يقول حزبها وما يفعل، وإن تقبح كل ما ينطق به خصمها وما يعمل! وانظر كيف أثرها إن بغت الانتشار والربح بكل وسيلة، واحتالت لهما بكل حيلة، ولم تبال صلاح الناس وفسادهم ولا خيرهم وشرهم! وانظر كيف هي إن فتنت القراء وأضلتهم وتركتهم على قلق وتردد في آرائهم وأعمالهم، ولبس وحيرة في أخلاقهم وآدابهم. وأقامتهم في بيداء مضلة لا تبين سبلها ولا تعرف أعلامها؟ كيف أثرها إن احتالت على القراء بما يهوي القراء، وبما يستهوي الدهماء من قصة مفسدة وصورة فاتنة وما إلى القصص والصور من أقوال لم يصدرها عقل ولم يراقبها وجدان. إن الداء عضال وإلى الله المشتكي.

إن الصحافة حبر ورأي ودعوة وتعليم. وشروط هذه كلها التثبت والنقد وقصد الحق والخير والإخلاص فيه ابتغاء وجه الله، فليس كل ما يسمع من أخبار يروى قبل التثبت والتحري. وليس كل ما يصح بعد التثبت والتحري ينشر حتى ينظر هل هو جدير بالنشر؟ أيستحق أن يذكر؟ أليس في نشره إثارة فتنة أو إضرار بفرد أو جماعة، أو إفشاء لسر يحسن أن يكتم، أو إظهار لأمر يجمل أن يسر؟ ومرجع هذا كله إلى وجدان القوام على الصحف وعملهم وبصرهم وإخلاصهم. وإن لهم من أولئك رقيباُ أكبر من كل رقيب وأعظم شأناُ وأقوى سلطان من الحكومات والقوانين.

وأما أن يختلق الخبر، أو ينشر تثبت، أو يذاع لنكاية أو لتشنيع أو تسميع أو إثارة فتنة فيها هوى للناشر أو مصلحة له أو لحزبه، فهذا تنكره مروءتنا وأخلاقنا وديننا وتاريخنا. ومهما يقل القائلون في حرية الأخبار وحق النشر، فلن يجد من عقولنا مقبولاُ ولا في ضمائرنا رضا، فليتق الله في أنفسهم ومواطنيهم وأمتهم وفي الناس جميعاً هؤلاء الكاتبون والقائمون على الصحف.

وأما الرأي فعماده علم ونظر وترو. فإن رمي بالرأي دون إحاطة بموضوعه، أو دون تفكير فيه، أو بغير إعمال الروية كان حرباُ أن يبعد من السداد، وأن يخذله الرشاد، وكان خليقاُ أن يضل ويضل ولا يصلح.

فهل الآراء التي تطلع الصحف صباح مساء، أعطيت حقها من المعرفة، وشرطها من الروية، وحظها من الإخلاص؟ أي فارق بين الكاتب الذي يكتب فيما لم يحط به علماُ،

<<  <  ج:
ص:  >  >>