وبين المعلم الذي يتكلم على تلاميذه وهو لم يحط بدرسه ولم يوفه بحثاُ وفكراُ؟
هذا، إن حاد بالرأي عن الصواب جهل أو تهاون أو عجلة. فما بالك إن زاغ به الهوى، وأربد به تضليل، وقصد به إلى مأرب؟ وكيف إذا اختلفت الأهواء وكثرت الآراء وكلها لا تهدي إلى الحق، ولا تبغي الخير، ولا تبالي إلا بهزيمة الخصم والتسميع به والقارئ الساذج في حيرة بين الآراء المتصادمة، والأهواء المتقاتلة حتى يميل به طبعه أو هواه إلى جانب، أو تستمر به الحيرة والضلال. إن كل من يمسك قلماُ ليكتب في صحيفة يتصدى لأمر عظيم، ويتحمل تبعة جسيمة. فليتق الله في كل فكرة يفكر فيها، وفي كلمة يسطرها. ولينظر ما أثر فكرته وكلمته في أمته، وما حق هذه الأمة عليه.
وأما الدعوة فينبغي أن تكون إلى الأخلاق العالية والسنن الصالحة يدعى إليها بكل وسيلة، وتسلك إليها كل سبيل. وينبغي أن يحذر كل الحذر من الدعوة، صريحة أو خفية، إلى التحلل من الأخلاق والفرار من التبعات؛ فإن النفوس قد احتملت أعباء الواجب وصهرت عليها ولم تبال بما فيها من مشقة وحرمان؛ ابتغاء ما هو أعلى وأشرف وأعظم، ابتغاء الحق والخير وإيثاراُ لما هو أجل من خير الناس وصلاحهم. فإن ارتابت في هذه الأعباء الثقيلة ودعيت إلى الدعة، وإيثار الأهون عليها والأحب إليها، والاستجابة إلى الأهواء والإخلاء إلى اللذات والخضوع للمطامع، والسكون إلى سفاسف الأمور والإشفاق من جليلها. صادفت الدعوة منها هوى ولقيت منها إصاخة واستراحة إليها باطناُ وإن نفرت منها ظاهراُ، إلى أن يضعف الوجدان الذي يحجب إلى النفس إيثار الأشق الأعظم من الأمور، وإلى أن تسف الهمة التي تتقدم بالإنسان على الصعاب وتنأى به عن اللذات، استجانة للمعاني الجليلة التي يسير الله بها البشر إلى الكمال الذي قدره لهم.
إن الإنسان يعيش تحت أوقار من الواجبات وأوامر الأخلاق وتكاليف المجد، كما يغيش تحت أثقال من الضغط الجوي. فإن دعي إلى هذه طرح هذه الأعباء واستراح إلى هذه الدعوة هلك كما يهلك إذا خف عنه ضغط الجو. ورب كلمة فاتنة أو قصة ساخرة تنقض في نفس الناشئ أو تزلزل كل ما أمرت التربية في نفسه، وتاريخ البشر في فؤاده! فلينظر الكاتبون وليتقوا الله.
وأما التعليم فكذلك يعمل له الفكر والنظر، ويختار ما هو أنفع للناس وأقرب إلى الصواب