للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا هو نفسه ما أقوله لك: استوح (ميراثك) لتبدع!

إن هذا الميراث هناك كامن في ضميرك، تخنقه ثقافتك الفنية الفرنسية. إنك تبعد عنه كلما ذهبت إلى الإغريق وغير الإغريق تستلهم أساطيرهم القديمة. إنك مصري. مصر القديمة الغائرة في أعماق التاريخ، السارية في ضمير الزمن. . . مصر هذه ما تزال كامنة في مصر الحديثة التي تعيش في ثوب مستعار. . . مصر القديمة بأساطيرها هي نبعك الشخصي العميق. ولن تحتاج إلى رحلة وراء آلاف السنين. ما عليك إلا أن تعيش مفتوح القلب والحس والعين في ريف مصر وفي أحيائها العامة. . . دعك من (سليمان باشا) و (الزمالك) و (المعادي) و (الدقي). . . هذه رقع مستعارة في الثوب الأصيل. هذه لطخ شوهاء في اللوحة المتناسقة.

أفتح قلبك وحسك وعينك، ثم أقرأ شيئا عن مصر القديمة ولاحظها ما تزال حية في ضمير الشعب وعاداته وسلوكه. . . ثم أكتب. . .

خذ القالب الأوربي. القالب وحده. ولكن صور في هذا القالب الضمير المصري، بروح مصرية، وحاول أن تهتدي إلى عبقرية الشرق الأصلية. وهي ليست مجرد عبقرية الذهن التجريدية!

وحين تتناول الأسطورة المصرية لا تحاول أن تجردها من اللحم والدم، والانفعالات والمشاعر، لترى ما وراء ذلك كله من فكرة ذهنية تجريدية. . . خذها حية بلحمها ودمها، وصغ منها مسرحيتك.

ولكنك لن تصنع هذا إلا أحسست الأسطورة حية في شعورك، غامضة غائرة في ضميرك.

إن أجمل الأعمال الفنية ما تمت في نصف وعي ونصف غيبوبة. أستيقظ حين تضع القالب فحسب، أما ذات الموضوعفيجب لكي يعيش ويخلد أن يكون غائرا في أعماق ضميرك إلى حد أن تشعر وأنت تكتبه كأنك عشته في زمن لا تذكره ولا تدريه!

إنك يا صديقي لن تتجاوز منطقة التاريخ الأدبي إلى منطقة القيم الفنية المطلقة، إلا حين تهتدي إلى النبع - نبعك الموروث الأصيل - والى عبقرية الشرق - عبقرية القلب والضمير.

ولكني أعرف أن هذا عمل عسير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>