يقول البعض إن الغريزة لها صفة (نوعية) بمعنى أن كل الحيوانات التي تنتمي إلى نوع واحد تشترك في الغرائز، ويكون عمل الغريزة فيها بطريقة واحدة، والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها أن لحشرة الزنبور نحو ألف من الأنواع، وكل نوع له طريقته الخاصة في صيد الفريسة التي يقتات منها، فالنوع المسمى يفترس حشرة من ذوات الأربعة أجنحة، والتي تعيش على البقول الجافة والحبوب واسمها النوع من الزنابير - وكل الأفراد التي تنتمي إلى نوعه - له طريقة خاصة فيما يتعلق بالصيد، إذ يلسعها ويحقنها بمادة يفرزها، ومفعول هذه المادة هو شل حركة الفريسة فقط دون موتها، ثم ينقلها إلى مأواه ويبيض عليها، حتى إذا ما فقست البويضات، وجد صغار الزنابير طعاماً جاهزاً من دون سعي ولا مشقة. ونوع آخر من أنواع الزنابير هو دائماً على حشرات الذباب، وضرب آخر منها هو لا يأكل غير حشرات العنكبوت، إلى غير ذلك من الأنواع الكثيرة ولكل نوع طريقة خاصة في اقتناص الفريسة ونوع الفريسة.
كذلك لكل نوع طرقة خاصة فيما يتعلق بالمسكن، فمنها ما يحفر جحره في هامات الصخور، أو على أديم الأرض، أو فوق الجدر والحيطان، أو جذوع الأشجار؛ ومنها ما لا يحفر ولا يشق، ولكنه يعيش في مخابئ طبيعية بين لحاء عيدان الأشجار، أو داخل ما تجوف من الأصداف والمحار.
غير أن نوعية الغريزة لا يمكن أن نقبلها إلا بشيء من التحفظ، إذ هي ليست بنوعية مطلقة، ولكنها نسبية لحد ما، تعتريها بعض الشواذ، كما أشار إلى ذلك (فرلين) بعد تجاربه التي أجراها في الإناث من طير الكناري تولد في أقفاص الأسر، وجد أن بعض الإناث لا تكون عندها غريزة بناء العش كاملة، إذ تبني عشها بطريقة مشوهة ناقصة، وقد تخفق إخفاقاً تاماً، بينما البعض الآخر - وهو من نفس النوع - يعشعش بطريقة عادية تامة. كذلك يروي العالم السيكولوجي (أشيل يوربان) في كتابة (سيكولوجية الحيوانات المتوحشة) بأن لأشبال الأسود وصغار الفهود عادات وغرائز ليست ثابتة كما هو المتوقع.
هذا، ونجد العكس في بعض الحيوانات والحشرات بمعنى إنه رغماً من انتمائها إلى أنواع مختلفة، تتحد في بعض الغرائز أحياناً كعادة تصنع الموت، وهي حيلة تلجأ إليها بعض الحيوانات والحشرات بقصد الدفاع أو الهجوم. مثال ذلك حشرة من ذوات الأربعة أجنحة