للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأعلان جمهوريتهم عن الغرض الأساسي وهو حماية باريس من هجوم الأعداء. أو لم نصب بهذا يوم أطلق سراح المرحوم سعد باشا زغلول وصحبه. ويوم ذهب اللورد ملنر يفاوض الوفد، ثم يومأعلن الدستور سنة ١٩٢٤ ففترة ثورتنا وتشتت شملنا؟ كان لأحد أدباء باريس في ذلك العهد غرام بجمع المؤلفات الأدبية ذات الغلاف الأنيق. فأقتنى منها ما يعد ثروة ضخمة رتبها في منزل بجوار باريس. ثم صدق ما كانت تردده الصحف من أستحالة باريس على الهاجمين فمضى في تنسيق تراثه. ثم إذا به بين يوم ولياة يتحقق أن الصباح قد لا يشرق الا مغبراً بخيل العدو. أسرع بما أستطاع حمله، وأوى إلى أول فندق ثم أستراح الراحة الأبدية، فقد وجدوه ميتاً في بكور الصباح. وكان بذلك مشدود الحظ سعيداً. فلم يرسنا بك الأعداء في العاصمة الحبيبة. وإذن لست أول الناس في هذا الشعور الذي أقض مضجعي قبيل ١٤ سبتمبر ولو أني لم أحضى بنصيبه، فلعل الله يريني يوماً ميموناً بالخلاص. اغرق اهلباريس في تحية الحكومة الجديدة بقدر ما أسرفوا في الطعن على الأمبراطورية وما جرت من ويلات، حتى رسخ في ذهن الجمهور أن بروسيا لا تحارب فرنسا، ولكنها تحارب الأمبراطورية. وقد يعجب القارئ إذا علم أن الأمبراطورية التي باتت مثالاً للشقاء في أعين الفرنسيين هي النظام بذاته الذي تأيد بثمانية ملايين من أصوات الناخبين قبل ذلك بشهر. ولقد كان موقف نابليون الثلث شبيهاً بموقف عرابي باشا، ولعل الخير كل الخير كان في أن يموتا في ميدان القتال. ليست العبرة فيما ينفع أنه يرضى الناس بائ الأمر، وأنما العبرة في أن يكون نافعاً وكفى. ولا بد من تعويد النفس أحتمال الكروب في سبيل العقيدة، وثبات العزم على صحيح الرأي. الف الجنرال (تروشي) في عهد الأمبراطورية كتاباً نقد فيه حالة الجيش وخطوط الدفاع من الوجهة الفنية نقداً أغضب الأمبراطور ورجاله ذلك العهد حتى أضروه بسببه. فلما حوصرت باريس وبدا الضعف واضحاً في خطوط التحصين عادت بالشعب ذاكرته إلى الجنرال المؤلف والى كتابه، ووصل الرجل وكتابه إلى الذروة، ولكن الوقت لم يكن يسمح يومئذ بتنفيذ شئ مما أشار به. ولا بد لنا - لأحاطة أخلاقنا بسياج يقيها العثرات - أن نرجع البصر إلى خطوات الماضي، والى عظات من سبقونا من رجالات مصر - فذلك كفيل بحسن التوجيه. شئ من الثبات، وعود إلى أدابنا القومية، وتقاليدنا الشعبية، وشئ من

<<  <  ج:
ص:  >  >>