أسرعت إلى عملي وفرغت منه. في نحو العاشرة صباحاً، وذكرت على التو أن قطاراً يغادر القاهرة إلى بور سعيد في الحادية عشرة، وفي هذا زوال ما أخشى. وازمعت السفر لأعود بأسرتي من المصيف وقد قرب أفتتاح معاهد الدرس، وخيل ألي انيسأتلافى بسفري جواً خانقاً ويوماً من الدهر حانقاً!. . . سيتحقق إذن ما تمنيت على الله، فلا أكون بالقاهرة يوم تشرق شمس جاء أصلها على البلاد بمحنة المحن. فإذا جيش الأحتلال يدخل قلب البلاد، وإذا نائب عن الخديو يلازم الجيش!!. . . وهل شر من احتلال أجنبي يظله اضطراب لا يستقيم معه فكر، ولا يتسق وأياه منطق؟!!. الفكونت ولسلي يرفع لأنجلترا في مصر راية، وسلطان باشا يؤمن تلك الراية باسم الخديوي!. وأين عرابي واين الجيش؟ وفيم كانت الحرب؟ وأي فكرة تنطبع في ذهن البلاد لصورة هي التناقض بذاته فوق ما تحمل من عار؟. والله ما ابتلى شعب بمثل ما أبتلى به شعبنا في ميداني المادة والمعنى، ولولا أن الشعب كان قوياً بدينه وتقاليده، عظيماً بآثار المحن الغابرة في عزائمه، عزيزاص بكرامته، لنالت منه الأحداث أضعاف ما نالت، ولو حلت بغيره لأفنته. جلست في القطار أتسلى بالقراءة، واتفاقاً بدأت بكتاب صغير أشتريته من (كشك) ليفاداس بالمحطة - مؤلفة فرنسي - والكتاب عن حصار (باريس) سنة ١٨٧٠. اخذتاقرأ وفي نفسي أني واجد في وطنية الفرنسيين الهائمين بعاصمتهم وبمجدهم، وفي كفاءة الألمان وحسن تنظيم جيوشهم خير عبرة وتسلية. ولقد اجاد المؤلف في المقدمة، وفي وصف الحالة العامة، ثم إذا به فجاة يتكلم عن باريس في ١٩ سبتمبر، فيصف الطوارئ، وحالة الرأي العام وصعوبة التموين، وضعف خطوط الدفاع!. إذن ما زلنا في شهر سبتمبر! ولا زالت هناك سلسلة من هموم في ثناياه إذا خلفتها في القاهرة ذكرتها عن باريس في محنة مماثلة! وفي المثل: يؤتى الحذر من مأمنه. ما عتمت أن تمثلت بالكلمة الخالدة التي أنتزعتها من فم الرجل الحزين سيدنا كعب بن مالك - خطاب عاهل غسان إليه، فقلت معه رضى الله عنه:(وهذا أيضاً من البلاء) يقول المسيو (سارسي) مؤلف (حصار باريس) بعيد اعلان الجمهورية: (وبينما يشتد ضغط الجيش البروسي وتتوالى انتصاراته وتكتمها الحكومة عن الشعب كنت كثيراً ما تسمع واحداً يقول لرفيقه: (إنهم لن يجرؤا على دخول باريس ما دمنا حصلنا عليها) أي ما دمنا أعلنا الجمهورية فلن يجرؤ البروسيون على فتح باريس). وهكذا تلهى الباريسيون