كذلك توجد عند الحيوانات غريزة التوجيه تعتمد فيها على الذاكرة وعلى حاسة البصر أكثر من سواها من الحواس؛ فإذا فصلت النحل من خلاياه وباعدت بينه وبينها نحو أكثر من أربعة كيلو مترات ثم أطلقت سراحه بعد ذلك فإنه يرجع بسهولة إلى خلياه من غير ما يضل طريقه إليها، كما تتفاوت درجة غريزة التوجيه لدى الحيوانات.
الغريزة والعقل:
رأينا مما تقدم أن الحيوانات حتى الدنيا منها مثل الحشرات كالنحل والزنبور والطيور تقوم بأعمال يظنها الإنسان لأول وهلة ناتجة عن عقل مفكر مدبر مما دعا إلى الخلط بين العقل والغريزة في كثير من الأحيان. فبرجسون يقول إن العقل والغريزة ينشآن جنباً لجنب ويتشابهان في كثير من الأحيان ويكمل بعضها عمل البعض الآخر ولكنهما يختلفان في كثير من الأوجه، ويعتقد بأن الغريزة أميل إلى الآلية وإن كانت لا تخلو من مهارة وشيء من الإلهام.
فالغريزة تتوغل داخل الأشياء، بينما العقل يطرقها من الخارج ويعلم ما يربطها ببعضها البعض، فهو يبتكر ويحلل ولكنه مع ذلك يفتقر إلى موهبة فلسفية وفنية لفهم الحياة على وجهها الصحيح.
كذلك كان يظن (أسبنسر)(ودانتك) بأن الغريزة عبارة عن صفة فسيولوجية يرثها الفرد من النوع الذي ينتمي إليه؛ ولكن المتفق عليه الآن هو أن الغرائز عبارة عن ميول سيكولوجية وفسيولوجية بعضها موروث وآخر مكتسب، تولد ضعيفة مترددة ثم تتهذب وتنصقل بنمو الحيوان.
ولنذكر الآن بعض الغرائز عند الإنسان:
غريزة الملك:
وهي تظهر جلياً عند الطفل إذ يحاول أن يمتلك كل ما تمتد إليه يده أو يقع تحت بصره. وسبب ذلك تنازع البقاء وطلب الخلود؛ وهذه الغريزة تشمل عدة غرائز أخرى مثل غريزة الصيد؛ فإذا أتيحت للطفل الفرصة أن يقتحم عشاً للطير أو قفصاً للدجاج فإنه يأسر صغارها ويستولي على بيضها، كما يحلو له أن يتصيد الحشرات مثل الجراد والفراش