للهواء بالمرور ووضع الإناء وما يحوي في مكان منعزل، فوجد بعد مضي ثلاثة أيام نحو ستين من ذكور الفراش تلتف حول الإناء لما ينبعث منه روائح جلبت ذلك الجيش من الذكور، ثم وضع بعد ذلك نفس الأنثى في إناء من زجاج يشف عما بداخل الإناء، ولكنه محكم القفل لا يسمح بمرور الهواء، ثم تركه في مكان منعزل مدة ثلاثة أيام، فلم ير غير اثنين من الذكور، وقد أجرى العمليتين عدة مرات، وكانت النتائج دائماً واحدة. أما لدى بعض الحشرات مثل العنكبوت، فإن حاسة السمع تلعب دوراً أهم من غيره من بقية الحواس، إذ تعتمد عليها في اصطياد الفريسة.
من هذا يحق لنا أن نقارن عمل الغريزة بظاهرة عبارة عن قوة طبيعية تؤثر على الكائن وتجذبه إليها فتكون إيجابية، أو تصده عنها وتقصيه فتكون في هذه الحالة سلبية مثل ذلك (الجذب الأرضي)، إذ يكون إيجابياً في النبات بالنسبة للأصول والعروق، إذ هي تتجه نحو الأرض وتندفن في جوفها، وسلبياً بالنسبة للسيقان والجذوع والأوراق، إذ تتجه اتجاهاً مضاداً وتنفر عن جوف الأرض، وكذلك ظاهرة (الجذب الضوئي) تكون في النبات عكس ما يحدث بالنسبة إلى ظاهرة الجذب الأرضي.
كذلك نشاهد مفعول تلك الظاهرة، أي بعض أنواع الحشرات من ذوات الأجنحة النصفية تعيش على عصير النباتات واسمها فإذا وضعتها في مكان فهي تتجه دائماً نحو النور. وكذلك نوع من أنواع الذباب الروائح الأثيرية والحمضية المنبعثة من الفواكه المختمرة، وهذا ما يسمونه بالجذب الكيمائي.
وقد حاول العالم الإنجليزي (لوب) تعليل مثل هذه الظاهرات، ولكنه عللها تعليلا ميكانيكياً خالياً من الإدارة، بل ومن مظاهر الحياة، وزعم بأن كل أنواع ما هي إلا إحدى مظاهر الجاذبية العامة خاضعة لها، وهي كذلك أشبه بالجذب المغناطيسي.
لقيت آراء (لوب) شيئاً من الرواج حيناً ولكنها هوجمت وتبين خطأها. خذ مثلا حشرة العثة فهي تنجذب نحو النور ولكن حين يحين موعد البيض تبحث عن مكان مظلم لا يتطرق إليه بصيص من نور. والأمثال كثيرة في هذا الصدد مما دعا الباحثين إلى أن يعتقدوا بأن عملاً ميكانيكياً كما يظن (لوب) وأن الغريزة ليست إلا نوعاً منه كما كان يعتقد.