فراعنى انها المرآة منعكساً ... نور الحقيقة فيها غيرَ مضطرِب
أمانة حملتها النفس قد خفيت ... على البصائر لم تدرك من التَّرَب
ماكنت مدركها لو لم أمت أبداً ... أو كنت مبصرَها أو بالغاً أربى
ومن يمت مرة في الدهر واحدة ... نال الخلود فما يخشى من الكُرَب
من يصقل النفس يكشف عن حقيقتها ... ولست تكشفُها بالمنطق الذَّرِب
مصطفى العلوي
من الأدب الأندلسي
التوابع والزوابع
بقلم محمد فهمي عبد اللطيف
نشأ أبو عامر بن شهيد الاشجعي في الاندلس في قرطبة احدى مدن العلم والادب، وكان هذا الرجل اديبا مغموراً توغل في شعاب البلاغة وطرقها كما يقول ابن خاقان، وله في الادب مجالس معمورة يبث فيها تعاليمه وآراءه، ويالها من تعاليم قيمة، وآراء مبتكرة، ولكنه كان مبتلى بحقد جماعة من معاصريه قصروا عن شأوه فناصبوه الخصومة، فكان وهم كما يقول.
وبلّغت أقواما تجيش صدورهم ... علىّ وأنى منهم فارغ الصدر
أصاخوا الى قولي فأسمعت معجزاً ... وغاصوا على سرى فأعياهمو أمري
ولكنه لم يلبث أن ضاق صدره بهم، وشغله أمرهم، فاصلاهم ناراً حامية من التهكم المر والتعريض اللاذع، وتفنن في الانتقاص من قدرهم، والحط من شأنهم، وتحداهم بآرائه في النقد والبيان، وازدهى عليهم بقدرته في الشعر والنثر، وساق ذلك كله في قصة خيالية زعم أنها وقعت له في وادي الجن، وان حوادثها جرت بينه وبين شياطين الشعراء والأدباء - هذه القصة هي (التوابع والزوابع) موضوع بحثنا اليوم - وهي رسالة أدبية ممتعة تعد من خير ماخلف في تراثنا الأدبي قوة وجدة وطرافة. ولما كان في التوابع والزوابع شبه من رسالة الغفران، وكان عصر ابن شهيد مندرجاً في عصر المعري، رجح لدى الأدباء ان يكون احد الرجلين ضرب على غرار الآخر، وانساق مع تياره، فاهتموا ببحث الصلة بين الرسالتين، وتلمسوا فضل الأسبقية للسابق من الرجلين، وكان من رأى الدكتور احمد ضيف