ان ابن شهيد هو الذي احتذى شيخ المعرة وحاكاه، واحتج لذلك بان شهرة ابي العلاء كانت ذائعة في الخافقين، وقد كان اهل الاندلس مولعين بتقليدالمشارقة في آدابهم وأفكارهم بل وفي كل شي؛ ولكن الدكتور زكي مبارك أمعن في البحث والتدقيق، ونظر الى المسألة من جانبين: الجانب الأول التاريخ الذيوضعت فيه التوابع والزوابع وقد استخلصه بالتقريب من قول صاحبها يخاطب جنية (من اخواننا من بلغ الامارة، وانتهى الى الوزارة). وقال: وفي هذا اشارة الى انه وضعها وهو كهل، اي بعد سنة اربعمائة واثنتي عشر للهجرة، واما الجانب الآخر. فهو التاريخ الذي كتبت فيه رسالة الغفران، وقد قال في تحقيقه: إن هذه الرسالة كانت جواباً على رسالة ابن القارح، فاذا علمنا بأن هذا الرجل وضع رسالته بعد أن نيّف على السبعين كما وقع في ثنايا كلامه، واذا علمنا بأنه ول سنة احدى وخمسين وثلثمائة، ثبت لدينا أن رسالة الغفران كتبت حوالي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، أي بعد التوابع والزوابع بنحو عشر سنين، وعلى هذا صار من المرجح أن يكون أبو العلاء هو الذي قلّد ابن شهيد.!!
فالدكتور زكي مبارك قد أنصف ابن شهيد حقاً، واستطاع أن يثبت له فضل السبق على صاحبه، ولكنه لم يستطع ان يثبت تهمة التقليد التي رجحها على المعري، وهي تهمة كبيرة لو صحت لكان لها شأن كبير في الأدب، خصوصاً اذا طاوعنا الذين يقولون بأن (دانتي) و (ملتن) - أخذا عن المعري في (الكوميديا الآلهية) و (الفردوس المفقود) والواقع أنه ليس في الرسالتين مايدل على تقليد أو محاكاة؛ نعم إن بينهما شبها في بعض الوجوه، فكل منهما عبارة عن سياحة خيالية إلى عالم آخر، كما أن كل منهما عرضاً لكثير من المشاكل الادبية واللغوية، وزيادة على ذلك فقد اهتم كل من الرجلين بالتهكم بمعاصرين في رسالته؛ ولكن هذا كله تشابه في امور عامة تتوارد فيها الخواطر غالباً، وربما تكون من وقع الحافر كما يقولون. ولو أنك نظرت الى وجه الخلاف بين الرسالتين لرأيته اقوى وادل على تباعد الرجلين واستقلالهما في الفكر والغرض؛ فقد قصد المعري في سياحته الى الفردوس والجحيم في العالم الآخر؛ وذهب ابن شهيد الى وادي الجن في عالم الحياة؛ واختار المعري اشخاص قصته من الرواة والشعراء والملائكة، وارتضاهم ابن شهيد من الشياطين - شياطين الشعراء والأدباء، وعنى المعري بالتعرض لكثير من المسائل الفلسفية والدينية،