للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم يتعد ابن شهيد القول في البيان والنقد والشعر، وكتب المعري رسالته باسلوب وحشي غريب فلا يستطيع القارئ ان يأتي عليها الا بشق النفس، وقوة الصبر، وبعد الاستعانة بمعاجم اللغة، وساق ابن شهيد قصته فياسلوب عذب رقيق يخلق اللذة في نفس القارئ، ويدفع به الى استيعابها بلا ملل او سآمة؛ ولقد اظهر المعري كثيراً من التباهي بحفظ الغريب والتمكن في قواعد النحو والتصريف، واطال ابن شهيدالقول في الغض من قيمة هذه الامور وتحقير الذين يجعلونها كل همهم؛ ثم بعد هذا كله لاتجد في احدى الرسالتين فكرة اشتملت عليها الأخرى، او رأياً اتفق لكل من الرجلين؛ فلكل منهما فضله في عمله، ولكل منهما شخصيته في رسالته؛ واظن في ذلك مايكفي لدفع تهمة الاخذ والتقليد، سواء اكانت في جانب ابن شهيد كما يقول الدكتور ضيف؛ ام ناحية المعري كما يريد الدكتور زكي مبارك. وحسبي بعد هذا ان افرغ معك للحديث عن التوابع والزوابع، وان استعرض امامك ما احتوته من الاراء والافكار؛ ويقيني انك ستجد فيها كثيرا من الابداع والامتاع، بل سترى شيئاً جديداً يثمره الفكر العربي، وستشهد لصاحبها بالدقة في الوصف، والقوة في التصوير، خصوصاً وصف احوال الشعراء السابقين، وتوصير ميولهم ونفسياتهم، وستعجبك منه روح خفيفة، ونفس مرحة طروب يلذّ لها أن تضحك فتجيد الضحك، ويهمها النادرة الحلوة فتوفق كثيرا الى الحلاوة النارة وبراعة النكتة

استهل ابن شهيد رسالته بمقدمةقصيرة اراد ان يبين فيها كيف وقعت له حوادثها، وكيف رحل الى وادي الجن فقال: (كنت في ايام الحداثة احن الى الاداب، واصبوا الى تأليف الكلام، فابتعت الدواوين، وجلست الى الاساتيذ، فنبض في عرق الفهم، ودر لي شريان العلم، ويسير المطالعة من الكتب يؤيدني، إذ صادف شن العلم مني طبقة، ولم أكن كالثلج تقتبس منه ناراً، ولا كالحمار، اسفاراً؛ وكان لي في اوائل صبوتي هوى اشتد له كلفي، ثم لحقني بعض ملل في اثناء ذلك الليل، فاتفق ان مات من كنت اهواه مدة ذلك الملال، فجزعت، واخذت في رثائه فقلت:

تولى الحمام بظبى الحدود ... وفاز الردى بالغزال الغرير

إلى ان انتهت الى الاعتذار من الملل الذي كان فقلت:

وكنت مللتك لاعن قلي ... ولا عن فساد ثوى في الضمير

<<  <  ج:
ص:  >  >>