ثم ارتجع على القول، فاذا انا فارس بباب المجلس، على فرس ادهم قد اتكأ على رمحه، فصاح بي اجز يافتى الأنس، فقتل: لا وأبيك، للكلام احيان، وهذا شأن الانسان؛ فقال قل بعده:
كمثل ملال الفتى للنعيم ... اذا دام فيه وحال السرور
فأثبت اجازته، وقلت: بابي من انت؟ قال:(زهير بن نمير) من أشجع الجن، تصورت لك رغبة في اصطفائك؛ قلت: اهلاً بك ايها الوجه الوضاح، صادفت قلباً اليك مقلوباً، وهوى نحوك محبوباً، وتحادثنا، وتذاكرت معه اخبار الخطباء والشعراء، ومن كان يألفهممن التوابع والزوابع، وقلت له هل من حيلة في لقاء من اتفق منهم؟ قال حتى أستاذن شيخنا، وطار عني، ثم انصرف وقد اذن له فقالجل على متن الأدهم فسرنا عليه؛ وسار بنا كالطير يجتاب الجو فالجو، ويقطع الدوّ فالدو، حتى لمحت ارضاً لا كأرضنا؛ وشارفت جواً لا كجونا، متفرع الشجر، عطر الزهر، فقال: حللت ارض الجن ابا عامر، فبمن تريد ان تبدأ؛ قلت: الخطباء اولى بالتقديم، ولكني الى الشعراء اشوق. . .).
وابن شهيد كما ترى يحاول الايجاز في سرد الحوادث، ويود ان ينطلق على طبيعته في ايراد القول، ولكنه لم يوفق كثيراً في هذه المقدمة كما يود، وكما وفق في عرض الرسالة؛ فظهر على أسلوبه مسحة التكلف، ووقعت بعض جملة قلق نابية، كأنه كان يدفع بها إلى غير موضع، ويضعها حيث لا مستقر؛ فمثلاً في قوله:(ويسير المطالعة من الكتب يؤيدني، إذ صادف شن العلم منيطبقة، ولم أكن كالثلج تقتبس منه ناراً، ولا كالحمار يحمل اسفاراً) ثقل يحس به القارئ في اللسان وفي الذوق؛ وزيادة على ذلك فقد اضطرب الرجل في وضع الكلام، واختل به نهج القول. الا تراه يقول في بدء كلامه (كنت في ايام الحداثة احن الى الأداب. . .)، ويسير في الحديث على هذه الكينونة؛ كأنه رحل إلى وادي الجن غض الاهاب، نضر الشباب؛ مع أنه فيما بعد سيشكو الى احدى التوابع مافعلت الايام به!! وسيذكر لها ان من اخوانه من بلغ الامارة. وانتهى الى الوزارة! وفي هذا ما يفيد انه طعن في الكهولة على اقل تقدير ثم تجده يصف صاحبه (زهير بن نمير) بأنهمن اشجع الجن، وكان الاوفق بداهة ان يجعله في الادباء، ما دام القول في الادب والشعر وما دام الحديث عن الادباء والشعراء.