ولكن هذه هنات هينات. على انها ترجع الى العرض، ولا تمس الجوهر في شيء، وقد تكون هي كل ما في الرسالة من المآخذ؛ ولقد سلك الرجل طريقه بعد ذلك على احسن ما يكون، يجد ويهزل، ويتهكم، ويضحك. ويعالج كثيراً من الآراء العميقة، والافكار القويمة، وهو في كل ذلك طريف خفيف؛ ملء قلمه الفصاحة والبيان، وملء تعابيره البلاغة والايجاز السليم؛ ولقد حدثنا بعد هذه المقدمة أنه لما نزل بوادي الجن، ورغب في البدء بلقاء الشعراء؛ طلب من صاحبه (زهير بن نمير) أن يقدمه الى عيينة بن نوفل شيطان امرئ القيس، فصاح به زهير: يا عيينة بن نوفل، أقسمت عليك بسقط اللوى فحومل ويوم دارة جلجل؛ الا عرضت لنا وسمعت من الانسي، وعرفتنا كيف اجازتك له - يقول ابن شهيد - فظهر لنا فارس على شقراء كأنها تلتهب، فقال حياك الله يا زهير وحيا صاحبك، أهذا هو وحق ابي؟ ثم قال أنشد، قلت: السيد اولى بالانشاد، فتطامح طرفه، واهتز عطفه، وضرب عنان الشقراء، ثم انشد:(سما لك شوق بعد ما كان اقصرا) حتى اكملها. ثم قال انشد، فهممت بالحيصة، ثم اشتدت قوى نفسي وأنشدت:(شجته مغان من سليمى وأدؤر) حتى انتهيت فيها الى قولي:
ومن قنة لا يدرك الطرف رأسها ... تزل بها ريح الصبا فتحدر
تكنفتها والليل قد جاش بحره ... وقد جعلت امواجه تتكسر
ومن نحت حصنٌ أبيض ذو شقائق ... وفي الكفّ من عسّالة الخط أسمر
هما صاحباي من لدن كنت يافعاً ... مقيلان من جدّ الفتى حين يعثر
(للكلام صلة)
محمد فهمي عبد اللطيف
مِن طرائف الشّعر
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
فجعت الأمة العراقية الكريمة منذ أسبوعين باستشهاد خمسة من طياريها البواسل، سقطت بهم الطيارة على مقربة من مطار الهنيدي، فرثاهم شاعر العراق الكبير بهذه القصيدة
(١)
خمسة طاروا من عيونالشباب ... فوق طيّارة كمثل العقُاب