للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وساورتني الظنون وانتابني شك قاتل ملح عنيف. . . ترى أكانت زوجتي تترك البيت قبل اليوم أثناء غيابي عنه؟! عدت إلى الخادم الصغيرة أسألها فأنكرت، وتحت الضرب المبرح لم تجديداً من الاعتراف، وأصبح الظن حقيقة. . . سيدة محترمة تغادر بيتها مرة في كل أسبوع إلى حيث لا يعلم أحد، ترى ماذا يخبئ لي القدر القاهر في جعبته؟! ورحت أذرع أرض الشرفة ذهاباً وجيئة في انتظار الزوجة الغائبة. . . وفي غمرة الوعي الذاهل والفكر المحموم، لم أدر كم من الوقت مر علي وأنا أتلفت إلى كل عربة مقبلة من هنا أو من هناك، مترقباً أن تكون قد عادت بها من المكان المجهول!

وأخيراً أقبلت عربة تاكسي ما لبثت أن هدأت من سرعتها ووقفت أمام البيت. . . وهبطت منها زوجتي! وأسرعت كالمجنون أهبط الدرج وثباً حتى كنت في ثوان معدودات أمامها وجهاً لوجه. . وحين رأيت لونها قد شحب، ونظراتها قد عراها الذهول. . . رحت أسأل السائق عن المكان الذي ركبت منه. . . وفي صوت هامس متلعثم أنبأني الرجل بأنه قد عاد بالزوجة الحبيبة من مقابر الأمام الشافعي!

وصعدنا إلى البيت صامتين. . . وحين احتوتنا إحدى حجراته رحت أنظر إلى عينها الشاردتين، محاولاً أن أستشف سرهما المخبأ وراء قطرات الدموع!

أما هي، فقد أطرقت برأسها إلى الأرض، وراح صدرها يعلو ويهبط، وجسدها ينتفض انتفاضة الحمى. . .

وأخيراً أمسكت بيدي بين يديها لتقول لي بصوتها اللاهث المتهدج:

- محمود. . . يا زوجي الحبيب. . . إغفر لي أن أقول لك كل شيء. . . أقسم لك أني كنت أضع بعض الزهور على قبره. . . لقد عاهدته أن أظل وفيه لذاكراه. . . لقد أقسمت له يوماً أن أظل على عهدي له. . . كان ذلك حين ودع الدنيا وتركني من بعده وحيدة. . . محمود. . . إن قلبي الذي كان له أصبح لك. . . حسبك قلبي. . . بالله لا تضق بأفكاري إذا انحت إليه لتؤنسه في وحشته. . . وبيدي إذا وضعت يوماً على قبره زهوراً ترطب ثراه. . . محمود. . . هل تغار من رجل مات؟. . . تكلم. . . تكلم يا زوجي الحبيب واغفر لي. . . اغفر لي أنني لم أبح لك قبل اليوم بشيء!!

حاولت أن أتكلم فماتت الكلمات على شفتي. . . كنت كمن أغفى إغفاءة طويلة استيقظ من

<<  <  ج:
ص:  >  >>