ولأول مرة شعرت بأن أشباح الشقاء ترفرف على المكان بأجنحتها السود فتحيل النور في عيني ظلاماً. . . وتركتها تنتخب وعدت إلى غرفتي مكدود القوى، أشبه بجندي عاد إلى بيته بعد المعركة. . . عاد ليبحث عن أحبابه بين ركام الأنقاض!
ومرت على ليال لم أذق للنوم فيها طعماً. . حاولت أن أنسى وأن أغفر ولكني لم أستطيع! لقد تكشفت لي الحقيقة الكريهة البشعة، وهي أن زوجتي لم تكن صادقة في حبها لي. . لقد كان قلبها هناك، يمسح بيد الذكريات فوق ألقب الذي طوى بين جنباته أول أمل!. . . سبع ليال مرت علي كأنها سبعة ذئاب جائعة تنشب أظفارها في قلبي، كنت أشعر شعوراً عميقاً أن هذا القبر الرابض في صحراء الأمام قد سلبني أعز ما أملك، وأن هذا الفتى المسجى في جوف الثرى لص. . . ضل طريقه إلى بيوت الناس وقادته قدماء إلى بيتي وحده، ليسق أنفس كنز وهبته لي الحياة! وكلما نظرت إلى وجه زوجتي بدت لي الدنيا جحيماً لا يطاق، لقد عاد إلى سابق عهده يوم رأيتها لأول مرة: الحزن العميق والأسى الدفين! أما عيناها فقد أطل منهما الماضي البعيد. . . حار فيهما ألف معنى مبهم أو ألف رحلة طويلة إلى عالم مجهول!
ومر شهر وشهران وثلاثة وكلانا يعيش في العذاب. . . العذاب الملح المبرح المتصل الذي تراودني أشباحه الرهيبة في الليل والنهار، وتقذف بي إلى خارج بيتي أنشد العزاء في الجلوس إلى الناس! لم أعد أطيق رؤية البيت إلا حين آوي إليه لأنام، لا تجمع بيني وبينها كسابق عهدنا حجرة واحدة. . . كان الخيال يصور لي أن هناك حاجزاً هائلاً يحول بين ضم جسمينا في فراش واحد، هو ذلك القبر الكئيب البغيض الرابض في صحراء الأمام. القبر الذي كان يخيل إلى أنه يترك مكانه كل ليلة لينعم بأحضان زوجتي حتى الصباح!!
ولم يكن هناك يا صديقي بد من نفترق. . ترى هل جنى علي الخيال؟ لست أدري!. . كل ما أدريه أن حواء قد ذهبت، وأن زهوري قد ذبلت، وأنني قد طويت القلب على أحلامه وقذفت به بعيداً. . . بعيداً في وادي الذكريات.