وأخيراً تهالك (خالد) على مقعده في قنوط وقد أيقن أنه فقد ساعته، فلم يترك مكاناً إلا بحث فيه ولا صديقاً إلا سأله عنها
وبالرغم من أن حجرته خالية إلا من أجلاد جسمه، هادئة إلا من دقات قلبه، فأن طيفاً فارع العود منقبض الأسارير راح يحدق فيه مستخفاً بذكائه وعلى شفتيه ابتسامة تهكم وفي صوته نبرة ازدراء!!
وخرج من الغرفة إلى عرض الطريق ضائقاً بذلك الطيف الذي أعاد إلى خياله صوراً كتلك المواقف التي تكون بينه وبين والده حين يفقد أحقر حاجاته!!. .
واستقبله الشارع على غير ما تعود. لقد بدا له كالرسوم الحائلة في كراس عتيق! وكأنما أصوات المارة لضعفها تصل إلى أذنيه من بعيد. . .
وعجزت أضواء الطريق الألافة ومعروضات المحال المغرية أن تخرجه عن نفسه أو تبعث إليها شعاعاً من أنس. . .
ولكن محلاً لبيع الساعات في نهاية الطريق استطاع أن يخترق بأضوائه نطاق كآبته، وأن يستوقفه أمام معرضه، وأن يتملق نظراته الموزعة بمرأى ساعاته الجذاب. . .
وأخذت عيناه في لهفة ساعة تشبه ساعته في لحجم والغطاء، وأن كانت دونها في الثمن والرواء!
وهنا افتر ثغره ليبارك فكرة رائعة تفتح عنها ذهنه المضطرب. إن والده لا يستطيع أن يدرك الفرق الداخلي بينهما؛ وسيكفى شراؤها لتعود المياه إلى مجاريها. . .
ولكن سرعان ما شعر بخيبة مرة تخاذلت لها قدماء وانطبقت شفتاه على حطام ابتسامة. . . الشراء؟! إن ما معه من المال لا يبقى منه إذا اشترى الساعة ما يسد عوزه إلى أن تبدأ الإجازة
التي سيرجع فيها إلى قريته. . .
وهنا مرت أمام عينيه متلاصقة لتلك المواقف التي تكون بينه وبين والده حين يفقد شيئاً من أشيائه، ثم تذكر في مرارة زوجة أبيه وهي تفترص تلك المواقف لتملأ عينها الوقحة بمنظر دموعه الذليلة وهي تتلمس طريقها على حده الشاحب الهزيل!
وهنا وجد نفسه مدفوعاً إلى شراء تلك الساعة، هازئاً من آلام الحرمان التي سيلاقيها ما دام