وبعد أسبوع كانت مائدته قد سئمت تلك الوجبات الخشنة، ومعدته قد عافت تلك الأكلات التافهة. وكان قد تعود أن يسمع رفاقه يتساءلون عن تلك الصفرة التي تغطي وجهه والإعياء الذي يحد نشاطه! واستطاع أن يجيب رفاقه بما تعود من لباقة، وأن يتحمل الألم بما أنفطر عليه من صبر. .!!
ولكننا نرى نفسه القوية تنهار في يد الألم وتتخاذل في حلبة الصراع مع الأقدار، حين يطلب ناظر مدرسته إلى كل طالب أن يتبرع بعشرة قروش للنشاط الرياضي بالمدرسة!!
لقد شعر بأن القدر يتحداه ويسخر من إيمانه بكرامته!!
إنه لا يستطيع أن ينكص عن دفع هذا المبلغ لشهرته الرياضية بالمدرسة، ولا يستطيع أن يدفعه إلا إذا قدر أن يبقى يومين بدون طعام
وتحامل الشجاع الجريح على نفسه وصوب إلى صدر القدر آخر سهم من كنانة صبره وإيمانه. . .
وفي اليوم الذي ابتدأت فيه أجازته كان يسرع على إفريز المحطة ليلحق بالقطار المسافر إلى قريته. . .
وفي إحدى عربات الدرجة الثالثة ألقي بجسمه المنهوك وجعل يستعرض آلامه المضنية التي مرت به، وكأنه جندي مثخن يشفى غليله بمرأى قتلاه في الميدان!
واختلجت على شفتيه ابتسامة باهتة كانت تسترجع شجاعته وتستنهض أمله وتزف إليه كرامته في إطار من الثقة. . .
وسمع صوتاً يهتف من أعماقه: مرحى أيها الجندي الباسل! لقد آن لك أن تلقي الجزاء!! ولكن أي جزاء يا ترى؟؟
لقد راح يتخيل موقف واله منه وقد علم بفقد ساعته وطفق ينحي عليه بألوان من القسوة وضروب من العنف لتكون فرحته أشد حين يعلم أن شيئاً من ذلك لن يحدث!! وازدادت البسمة وضوحاً حين غادر القطار إلى بيته في أقصى القرية، كأنما استردت نشاطها من طول ما نامت على شفتيه. . .
وفي حجرة من حجرات البيت وقف يقبل يد والده قبلة آلية، ثم رفع رأسه ليرى وجه