ونسيت أن ميزان الأخلاق - في رأي الدين - واحد لا يتغير: فالسارق لص أبداً، ومن يفرط في عرضه فهو الديوث.
ولكن لا عجب، فأتت تريد أن تبلغ غاية المجد في غير كد ولا جهد، وأن المرء ليستطيع أن يشبع رغبات نفسه ونوازع قلبه عن طريقين: الجهاد المر المتواصل والاستخذاء الهين الوضيع. وأنت قد دأبت على أن تستخذى لرئيسك لتكون - في يوم ما - رجلاً ذا مكانة وشأن. وفاتك أن المجد الذي يقام على دعائم من المداهنة والخداع والتمويه مجد متداع يوشك أن يهوى ويتهدم.
وقلت:(أما اللغة فقد انحطت من غيرها من اللغات الحية، فماذا فيها غير كلمات صلبة جاسية وعبارات جافة قاسية وألفاظ واهية متداعية، في حين أن اللغات الغربية تموج بالحياة وتنبض بالعقل وتخفق بالثقافة وتتألق بالعلم. ونحن أمة وهى عزمها وانحلت قوتها فذهبت - في ضعف - تفخر بما تلفظ بطن الأرض من آثار وتتعلق بأهداب خيال زال منذ زمان. لقد أصابتنا كبوة لا نستطيع أن نفيق منها إلا أن تغلق أذهاننا في وجه الثقافة العربية النابضة).
ونسيت أن في اللغة مجد الأمة وعزتها القومية، وأن من خلالها تتأرث حرارة الوطنية والكرامة. هذه اللغة - يا صاحبي - قد وسعت علوم اليونان وفلسفتهم في فجر النهضة العلمية الإسلامية واقتحمت باب الرياضة والفلك والطب، ولم تقتصر عن العلوم الطبيعية والميكانيكا. . . فوضعت بذلك أسس النهضة العلمية في أوربا حين كان الغرب يغط في سبات عميق ويرسف في أغلال من الجهل والعمى.
وغفلت عن أن المكتبة العربية التي بين أيدينا الآن لا تمثل إلا خمسة في المائة من إنتاج الذهن العربي الشرقي، فلطالما عبث بها الفاتحون فأوسعوها حرقاً وتمزيقاً وقذفاً في أعماق النهر.
لعلك - يا صاحبي - تؤمن في قرارة نفسك بما أقول، ولكنك لبست القبعة ذات مرة. . . لبستها لتنزل عن كرامتك ولتنبذ المعاني السامية للوطن والدين واللغة.