للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لنا طريق السرور. فالسرور والألم مختلطان، لا يسهل التمييز بينهما في مثل هذه الأحوال الإلهية.

ولكي يعيش الإنسان في سرور دائم يجب أن يخوض ميدان الحياة الاجتماعية ليبني ويهدم ما لا يروقه ما بناه، ويضع القوانين ويغيرها إذا وجدها لا تلائم خير المجتمع، ويخلق الأكداس المكدسة من الآراء، ولا يبالي ما قد يقع فيه من أخطاء فأن استمراره في خلق أفكار جديده يصحح غلطاته ويكشف عن أسرار الطبيعة وقوانينها الحق، ويخترع مختلف الآلات، أي يعمل بلا انقطاع ولا يخشى الفشل فإنها سبيل النجاح والتقدم، ولا ينفك يبدل فيما وصل إليه من علم وعمل، ويغير مادام فيها نقص أو عيب ويبحث راضيا مرضيا، لا يفكر مطلقا في تجنب الألم أو الهروب من المتاعب، بل يظهر براعته في القضاء على ما به من نقص وتحويله إلى كمال ويبرز مهارته في مختلف أنواع الألم من خذلان ونصب وشجن وخوف، ويجعلها عنصر من عناصر السرور. فلا ينبغي لأحد أن يعتزل الحياة رعبا من آلامها ومتاعبها، وإنما يجب عليه أن يتحملها صابرا، علما أن الألم ثروة الإنسان الناقص، وعلامة على أنه اكبر من حاضره، وبمثابة قوة دافعه تصيره عظيما في الحياة، وتخطو به من حاضره المحدود نحو مستقبل باهر غير محدود.

إن تطور الحضارات، وتقلب المدنيات، ونبذ الإنسان للقديم وابتكار حديث يقوم مقامه، لدليل على أن الإنسان لا يفتأ يجد ويخلق ويسير من مرحله إلى مرحله افضل منها، حتى يبلغ أقصى درجات الكمال التي تكفل له السعادة المرجوة.

فالشكوى من الآلام والمتاعب شكوى لا مسوغ لها، ولا ينبغي أن نترك لها أي منفذ لتتسرب منه إلى نفوسنا، وتلقى فيها نواة التشاؤم؛ لان الآلام ضرورية لتقدم الحياة، ومحك دقيق يقيس رقي الإنسان وبحسب مدى ما وصل إليه من سعادة ويبين ما بقى عليه من أشواط ليصل إلى ذلك السرور السرمدي الذي ينبعث في النفس من توافق حياه الإنسان مع حياة الله.

عبد العزيز محمد الزكي

<<  <  ج:
ص:  >  >>