للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صميم خطوط القتال فلا يظن بحياته على تلك القرية، ويندفع في سواد أبنائها يقاتل كما يقاتلون، ويسعه ما يسعهم من شظف العيش وعنائه، ثم يعدهم ألا يبرح مكانه بينهم، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا ويحين له فرصتان، أحدهما في العراق والآخر في الشام، ولكنه لا يحول عن عهده الذي قطع، ليغتنم فرصة العمل - على حاجته إليه - بينما اغتنمها الكثيرون من زملائه! وما زال الأستاذ (احمد السبع) إلى اليوم هناك، يرتقب ما الله صانع، فحيا الله المجاهد الكريم، فقد صدق الوعد وحفظ العهد!.

وذلك ثالثهم يعود إلى القرية (بروقين)، وهي التي حدثتك إنها: (نكرة في القرى)، بعد أن يجاهد حتى تغلق في وجهه مسالك الجهاد، ويقبع فيها إلى أن تحل تلك الليلة المشؤومة، ليلة سقوط مدينة اللد، وهي منها على غلوه أو غلوتين. (ومن ذا الذي لم يسمع بكارثة اللد وجارتها الرملة؟) وينطلق أهل القرية يعدون العدة للجلاء، ويتفقون على ذلك جميعاً كبيرهم قبل صغيرهم؛ ولكنه هو وحده يعارضهم فيما اتفقوا عليه، ويعلن لهم أنه لن يبرح مكانه حذر الموت، ولن يسلمه مادام فيه عرق ينبض! فتبسمت بقوله خائر العزائم، فلم يبرح أحد بيته!

وما زال هذا الأستاذ المناضل هناك، يصدر جريدته (البعث) على مقربة من هذه القرية، ويضرب صفحاً عما يعرض له من فرص، وإن اختصاصه النادر يضاعف الحاجة إليه، وإن آثاره العلمية بين مخطوط ومطبوع، تدل على سعة اطلاعه في موضوعه الذي انصرف إلى التخصص فيه، ولكنه لم يستغل السانحة التي استغلها سواه، وذلك ثباتاً منه على مبدئه الذي انف أن يحول عنه - على الرغم ما حاطه من سيئ الظروف - وقيل ما ألئك! لقد سبق أن تحدث في (الرسالة الزاهرة) عن هذا المجاهد، وأتيت على ذكر آثاره مفصلاً حين تحدثت عن ذوي الآثار العلمية في موضوع (الأدب في فلسطين) منذ عام. وذلك هو الأستاذ (عبد الله الريماوي)، ثالث ثلاثة جاهدوا فصدقوا، فحق لي أن أسجل جهادهم الصامت، وأنا اردد في أعقاب ما سردت:

يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود

محمد سليم الرشداق

(ماجستير في الآداب واللغات السامية)

<<  <  ج:
ص:  >  >>