شأن تجارتنا إلا قليلا، وقبض يده عني فلا يبض إلا بدريهمات لا تسد حاجة ولا ترأب صدعاً. ولمست أنا فيه الجفوة والقسوة فاضطرب قلبي وانزعج فؤادي، ولكني لم أستطيع أن أتحدث إليه بأمر. ماذا أقول وأنا أوقن بأن مرضي قد كلفني فوق الطاقة استنفد الكثير من مالي، غير أن حاجات العيش ثقال ومن ورائي زوجي وصغاري يطلبون القوة واللباس ولا يقنعون بالتافه من العيش ولا يرضون بالرخيص من اللباس؛ فذهبت إليه أدفع نفسي دفعاً عنيفاً وأحملها أمراً لا تطيقه.
وجلس وجلست أنا، وتحدثت إليه بحاجتي فأعرض عني ولم يلق بالا إلى كلماتي، بل قام في أناة وتؤدة ليجمع أوراقه ودفاتره ثم لينشرها أمامي وهو يقول: لقد استنزفت أيام مرضك كل ما ادخرنا وركبنا الدين ونحن الآن نسير إلى الإفلاس في سرعة. وهذه أوراقنا تدل على صدق ما أقول) ووجمت أنا لحديث أخي، وتراءى لي أن يداً عبثت بالتجارة وعقلا عاث في الأوراق ولكن الكلمات ماتت على شفتي، واستمر هو في حديثه يقول:(والآن أصبح لا معدى لنا عن أحد أمرين: إما أن نبيع الدكان بما فيه لرجل غريب، وإما أن يشتريه أحدنا ويدفع الثمن فوراً) وصدمني الرأي صدمة عنيفة، فأخي يثق بأنني خاوي اليد والجيب وأنني أضن بتجارتنا أن تصبح في يد غريبة وأنني في حاجة شديدة إلى المال. فقلت في استسلام وكمد (خذ أنت حصتي) قال (فهي تساوي كذا وكذا يخصم منها ثمن الدواء وأجر الطبيب وهو كذا فيبقى كذا) وأرغمتني الحاجة على أن أنزل عند رأيه فكتبت له تنازلا عن حقي لقاء المبلغ الذي أراد) ثم انفلت من لدنه وبين يدي جنيهات وفي عيني عبرة وفي قلبي لوعة
آه، يا صاحبي، إن في الإنسان دوافع ترابية إن سيطرت عليه سفلت به عن معاني الإنسانية). . .