أن أصرف نفسي عنها ولا أن أمحوها من خيالي، ثم رحت إلى أخي أكشف له عن هواجس نفسي وأنشر أمامه خلجات فؤاده فقلت:(أيْ أخي! أنا لا أستطيع أن أجحد فضلك ولا أن أنكر جميلك، فلولا ما بذلت من جهد وعناية ما زهت تجارتنا ولا ازدهرت ولا درَّت علينا هذا الرزق العميم. ولقد كنتُ في حياتي كلها أحس منك شفقة الأخ الأكبر وحنان الأب الرحيم، أطمئن إلى حبك وأسكن إلى إخلاصك. وإني لأخشى أن تسوس لك نفسك فتستقل بنصيبك في التجارة وتذرني ضائعاً، وأنا حريص على ألا تعصف بنا نوازع المادة فتتصدع وحدتنا وتنشق عصانا وتتقطع وشائج القلب وصلات الروح. وهذه تجارتنا بين يديك، هي لك كلها إن شئت ولك جلها إن أردت، وأنا قانع بما تنزل لي عنه لأنني لا أرضى بأن يشمت عدو أو أن يتشفَّى حسود).
وسمع أخي الأكبر حديثي فاستيقظ تاريخنا كله في قلبه منذ أن كنا طفلين نستشعر الذلة ونحن الضياع فترقرقت عينيه عبرات ما تتحدر وفاض قلبه بالعاطفة السامية، ثم ربت على كتفي وهو يقول (لا يزعجك هذا الأمر فإنا أشد حرصاً عليه. ولقد اقتسمنا الدار لأنني كنت أخشى أن يدب خلاف بين زوجي وزوجك أو أن يطغى ابني على ابنك فتتهدم سعادتنا وتنقض راحتنا. أما التجارة فهي لي ولك. .)
وقمت من لدن أخي وإن الفرحة لتفعم قلبي.
ومضت سنة واحدة، ثم انحط عليَّ مرض يعركني عركاً شديداً. وحبسني الداء في حجرة من الدار لا أستطيع أن أبرحها وإلى جانبي زوجي تقدم على حاجاتي في غير غضاضة ولا ملل، وأخي يغدو إليَّ ويروح وإلى جانبه طبيب وبين يديه دواء، وأنا لا أنوء بأثقال المرض، وإن زوجي وأخي بين يدي يرفهان عن نفسي شدة الضنى ويخففان عني صولة العلة، ومن بينهما طبيب. والطبيب رجل غليظ الكبد، سقيم الوجدان، واهي الرجولة؛ لا يشفي غلته سيل من المال، ولا ينقع صداه بحر من الذهب يصرفه الجشع عن الواجب، ويشغله الشره عن الإنسانية. وطالت بي العلة، فما أرمضني إلا صغاري يحومون حولي، وإن قلوبهم لتتفطر أسى ولوعة لما أعاني من ألم. ثم برئت - بعد لأي - من سقامي لأخرج للناس شبحاً ضامراً هزيلا شاحب الوجه، مرتعش اليد، منحط القوة.
ورأى أخي عجزي وضعفي فتنكر لي وانطوى عني فلا يزورني إلا لماماً ولا يحدثني في