فيقولون إن أي كائن يتكون من شيئين اثنين هما: جِبلَّته ووجوده.
فالجبلة: هي تلك السمة التي تميز كل نوع من الكائنات عن النوع الآخر؛ فبها تتميز الأنواع.
والوجود: هو الظهور الفعلي النافذ في هذه الحياة.
ففكرة المهندس في تصميمه لآلة من الآلات مثلا هي جبلة هذه الآلة. وتنفيذ هذه الفكرة أو تجسيدها - كما في المثال المتقدم - هو وجود هذه الآلة.
من هذا نعرف أن الجبلة هي التي تتقدم الوجود؛ ولكن هذا عند الوجوديين خطأ محض إذا طبقناه على الإنسان: فلنا أن نطبقه على كل شيء إلا الإنسان؛ فإن له قانوناً خاصاً غير قانون الدين المتقدم، فهو - كما في زعمهم - خطأ!! وغير قوانيني الطبيعة؛ لأن كل قوانينها (أوهام) اختلقها العقل وقيد بها نفسه. فليس هنالك شيء اسمه القانون! ولكن لا بأس عليهم أن يلزمونا بقانون، ولا بأس علينا إذا أخذنا بقانونهم هذا فهم أئمة الهدى المعصومون! وهو: أن وجود الإنسان هو الذي يتقدم جبلته!
فلم يعد ثمة جبلة خلقها الله؛ ولكن الإنسان - وهو في نظرهم ذلك اللقى الذي قذف به في هذا العالم قذفاً من هاوية لا يدريها ولا يجب (إن كان وجودياً عاقلا) أن يفكر فيها، فما عليه إلا أن يعرف أنه هكذا وجد! - هو الذي يخلق جبلة لنفسه بنفسه حال صراعه مع الكائنات الأخرى ومع الطبيعة في سبيل الحياة. . . وما عدا ذلك أوهام وترهات!
وأود أن أطمئن من يجد في هذه النظرية شيئاً من التناقض أو الغموض بأن سارتر نفسه يعاني من هذه الحال، ويعز عليه أحياناً أن يكون هذا حظه في فهم المذهب الذي به يعيش؛ فلا يستحي أن يقول إن التناقض والغموض من أغراض الوجودية، لأنها تصوير (صادق) للحياة بما هي، والحياة كلها متناقضات ومعميات!
فإذا قلنا لهم: في أي منطق يصح هذا ويستقيم، وبأي عقل يمكن أن نسيغه أو نقبله؟ وجدنا الجواب حاضراً - فهم قوم أعدوا لكل شيء عدته، ولكل محتمل جواباً، ولا يتهافت على الهبوط إلى وكرهم للاندماج في عصابتهم إلا كل بارع في فن الجدال والمداورة، وفي فن التمويه والمكابرة - فما أسرع ما يقولون وما علينا إذا لم تفهم البقر!.