للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفي شرح هذه النظرية والدفاع عنها ألفت كتب وأبحاث. كما أن سارتر يدير مجلة في فرنسا لهذا الغرض هي (العصور الحديثة)

والشعار الذي يقدمونه لكل مطلع على مؤلفاتهم هو (الحرية) وأنهم دعاتها وحماتها. وتحت هذا الشعار - مهما خدعوا بالألفاظ المزورة واصطلاحات الشعبذة - تسير جيوش الإباحية وادعة آمنة. (أنا حر فأنا إذن موجود) هذا هو شعار القوم. ولكن الحرية هنا ليست بالمعنى الذي نفهمه معشر الشرقيين، أو الذي يفهمه معظم سكان العالم، وإنما هي من ذلك النوع الذي نادى به أجدادهم ومن هم على شاكلتهم قبل اليوم بعشرات السنين

الحرية هنا هي أن يتمتع الإنسان بكل شيء وعلى أي نحو بشرط ألا يندم بفعل أي شيء وإلا كان وجوده ناقصاً (أو كان غير موجود!) واسمحوا لي أن أكون أكثر حرية من ذي قبل حتى أستطيع أن أحدثكم عن هذه الحرية الجديدة.

ومهما يكن من أمر ما نادى به سارتر من (وجوب أن يكون الأدب صورة للقارئ) أو الكاتب أو حتى البيئة - وقد أثير ذلك في بعض مجلات مصر العريقة - فإني لم أقف على هذا متحققاً فيما بين يدي من مؤلفات سارتر ولم يكن ليهمني أن أقف عليه قدر ما كان يهمني أن أحلل هذه المؤلفات من حيث هي ومن حيث هي وسائل وضعت لغرض مخصوص هو نشر مذهب معين وأقصد به الوجودية كما يقول بها سارتر.

وما عدا الخطوط الأساسية التي هي أصول (المذهب) والتي أشرنا إليها آنفاً، فإن مما يلفت النظر - وقد أجمع جمهور النقاد الفرنسيين عليه - هو أن سارتر يفرض على نفسه دائماً أن يبرز أشخاصه الروائية وهي (تقترف عملا من الأعمال) مريباً أو غير مريب، فهذا أمر ثانوي، لأن جميع القيم المتعارفة كلها (مُتَوَهمات) - ويشرح اتجاه هذه (الأعمال) وما يجب أن تكون عليه كقاعدة مثلى للآداب عامة والوجودي منها خاصة، فيقول في بعض رواياته وهي (سبل الحرية)

(هاأنذا موجود أتذوق نفسي، إني أحس بالطعم القديم للدم وللماء الحديدي، وذوقي هو أني أتذوق بنفسي. إني أوجد والوجود هو هذا: أن أتمتع بنفسي وأرتوي منها بدون ظمأ. أربعة وثلاثون عاماً، أربعة وثلاثون عاماً أتذوق فيها نفسي، وقد كبرت - قد اشتغلت وانتظرت وبلغت ما كنت أريد: مارسيل وباريس والاستقلال، وقد انتهى كل شيء فلا أنتظر شيئاً بعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>