بغض، ساكناً إلى زوج كريمة هي أم رحيمة. الوالدان اللذان عظَّمهما القرآن، وكاد يؤلّههما الإسلام. فذكرهما مع الله، وقرن البر بهما بتوحيده:(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً)(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)(قل تعالَوا أتلُ ما حرم ربكم عليكم، ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا) الوالدان اللذان أعطاهما الله من سلطانه وبرهانه، ونوره وهدايته، ورأفته ورحمته.
هلمَّ ننظر إلى الأسرة، دار الأمومة والأبوة والبنوة والأخوة، حيث تنشأ الأمم وتموت، وتقوى وتضعف، وتسعد وتشقى، وتجتمع وتفترق، وتصلح وتفسد، وتضيء وتظلم، حيث النواة التي تنشأ منها الجماعة، والطينة التي فيها تنمو الأمة، والصورة التي عليها تكبر، والسر الذي أودع سرائرها، وسيرها من المهد إلى اللحد. . . الأسرة سر الله في خلقه، وآيته في عباده.
هلمَّ ننظر إلى هذا البيت، إلى هذه الجنة، إلى هذا المعبد، إلى هذه المدرسة، إلى هذا العش، إلى هذه الدار مشفقين عليها من أعاصير هذا العصر، خائفين من آفاته، وَجِلين من فتنه، فَزعين أن يمتدّ الرجس إلى طهارتها، والقلق إلى هدوئها، والبغض إلى محبتها، والافتراق إلى اجتماعها، حَذِرين أن تمتد المادة إلى روحانيتها، والضوضاء إلى سكونها، والحيرة إلى طمأنينتها، جاهدين أن تبقى لها حرمتها وتدوم قداستها ولا يغلب عليها شر الأسواق والأندية والملاهي، فليس بعدها وَزر، ولا في غيرها مستقَر.
أحذروا أن تُحرم الإنسانية هذا الينبوع الطاهر الذي يمُد بالعواطف رقراقة، وبالأخلاق صافية، فتقسو القلوب، وتذبل الأخلاق، ويضل النشء في الطرق والأسواق وما إليها، يشرب من ماء كدر، ويقتات من سم قاتل، ويذهب به القلق إلى المهالك، وتسوقه الحيرة إلى الضلال البعيد.
ألسنا نرى البيت يُهجر يوماً بعد يوم، تؤثر الأمُّ عليه جولات في الأسواق أحياناً، وجلسات في الملاهي أحياناً، ويفر الأب إلى المقهى والملهى مؤثراً لذاته وراحته، ساكناً إلى لهوه ولعبه، مشفقاً من تبعاته في داره، وواجباته في أسرته؟
إن تمادي الوالدان في إيثار الطريق على المسكن، والملهى على الأسرة، وأغفلا ما يحبب البيت إليهما وإلى الأولاد كان النفور من الدار، ثم زاد إهمالهما، فازداد النفور منها. . .