وسخاء في الإنفاق، ومصدراً لا ينضب له معين من النضار.
هذه السنوات لم تصنع المعجزة في أولئك الرواد المستغربين في الشرق، أو الغربان التي تنعق - على أصح تعبير - وكل ما في الأمر أنها صبغت ظواهرهم بطلاء براق من الألقاب العليمة ولم تنفذ إلى جوهر الروح الذي بقي مربوطاً بالأمة التي لا يزال مجموعها يعيش في الجهل، وبالأسرة التي لا تزال على غرار أسرة الإنسان الأول في طفولة الحياة البشرية.
ولا نستطيع أن ننكر عقولنا ونسلم جدلا بأن هؤلاء قد أصبحوا - على سوء الجيرة - كالغربيين روحاً وذوقاً وفناً، وإنما كل ما في الأمر - وهو الصحيح والواقع - أن حضارة الغرب قد بهرتهم ماديتها ولم يفهموها فهماً صحيحاً، وفي محاولتهم تجريح الشرق بأظافر مستعارة من روح الغرب، البرهان الذي لا يقبل الجدل على أنهم يشعرون بذلك في أعماق نفوسهم ويحاولون التضليل.
والبيئة الجغرافية تترك أثراً عميقاً من سماتها في الأخلاق والدين والفن والذوق والاجتماع في الجماعات التي تعيش فيها وتطبعها بطابع خاص لا تجد سبيلا إلى الخلاص منه مهما أوتيت من عزيمة وجبروت.
ولو أنك غرست شجرة من مناطق خط الاستواء في غير تربتها ومناخها، وحاولت كل طريقة لاستدامة روعتها ورونقها ولذة فاكهتها، لما وجدت إلى ذلك سبيلا.
والأفكار المستوردة من بيئات بعيدة لا تستطيع الحياة في مناخ غير مناخها، وفي تربة غير تربتها، وغالباً ما يكون نصيبها الموت.
أرأيت نتيجة تلك المحاولة التي قام بها ملك من الشرق لينقل حضارة الغرب إلى بلاده عن طريق اللباس في بلاد الأفغان، وهي على بعد سحيق من أوربا، غير مقدر النتائج الخطيرة التي آلت إليها، وغير مفرق بين موضع تركيا الجغرافي والفارق البعيد بين الأتراك والأفغان؟
وأولئك المربين المستغربين الذين يغيرون على أفكار أساطين التربية في الغرب - تلك الآراء التي ترعرعت وشبت في جو ملائم وبيئة جغرافية خاصة - فيملئون بها المجلدات نقلا حرفياً وتقليداً وتشويهاً ومسخاً للعمل بها في بيئات وشعوب لا صلة لها بالشعوب التي