للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجيب نداءه إلا في ضجر، ولا تقوم على خدمته إلا في تثاقل.

واختلفت إليه أريد أن أخفف عنه لوعة المرض، وأن أزيل عنه جفوة الوحدة، فاستقبلتني زوجه - أول الأمر - في بشر وتلقتني في بشاشة وتحدثت إليَّ في سرور، ثم تراءى لي أنها تطمع في أن تصرفني عن أخي، وأن تخدعني عن نفسي، وأن تستلبني من قلبي، فدفعتها في رفق ونصحتها في لين، ولكنها كانت فتاة جميلة فيها المكر والمداهنة، تتوسل إلى رغبات نفسها بأساليب شيطانية فيها الإصرار والعناد. وخشيت أن أغلظ لها القول فتنطلق إلى أخي توسوس له وتوحي إليه بأنني أريد أن أعبث بكرامته، أو أن أسطو على عرضه فتقمصه الصدمة، وهي قوية عنيفة، وهو ما يزال يعاني عنت المرض ولأواء العلة.

لشدَّ ما آذاني أن أراك - يا أخي - تفقد مالك وصحتك وزوجك في وقت معاً! ولشدَّ ما حزَّ في نفسي أن أرى زوجك تحاول أن تغترني عن كرامتي وشرفي ورجولتي لأكون حيواناً يرتدع في حيوانيته في بيتك أنت يا أخي!

بالرغم مني - يا أخي - أن أنزوي عنك فلا أزورك إلا بين الحين والحين، وبالرغم مني أن أصانع زوجك اللعوب لأحفظ ودك. . . آه، لو أن لك أذناً تسمع حديثي وتطمئن إلى قولي! ولكني أوقن بأنك لا تسكن إلا إلى حديث زوجك، ولا تستعذب إلا كلماتها، ولا تستسيغ إلا خداعها!

ومضت الأيام، فإذا أخي يخرج إلى الناس يتكفأ في مشيته من الضعف والهزال، وقد ضربه الإفلاس وركبه الدَّين، لا يجد من يحنو عليه غيري أنا. . . أنا أخوه الذي اغتال مالي وسلبني حقي ليشبع رغبات نفسه ورغبات زوجه.

فيا أخي، إن في الإنسان دوافع ترابية إن سيطرت عليه سفلت به عن معاني الإنسانية!

كامل محمود حبيب

<<  <  ج:
ص:  >  >>