للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فحياته كما ترى بين راح يسطع نورها في ظلمة الليل، تحت أضواء بدر يملأ الكون بهاء وبهجة، تحف به النجوم المتلألئة كما تحف الرعية بمليكها. وهنا يعقد موازنة بين نفسه في الأرض والبدر في السماء، فهو في ملكه بين مواكب من الجند، أو بين كواعب أتراب، يصدحن بأعذب الموسيقى، وأرق الغناء.

وملهاة أخرى كانت أثيرة لديه، تلك هي ملهاة الصيد؛ يطلب من والده حيناً أن يأذن له بساعة ينفقها فيه، ويرى في ذلك منة من والده عليه، وحيناً يرسل إلى أبيه يحدثه عن ساعة قضاها في الصيد والقنص.

وكان لبعض الأحداث السياسية صداها في شعره، ولعل من أعظم تلك الأحداث استيلاءه على قرطبة، وهو حادث ملأ نفسه زهواً، وربما أفعم قلبه بالأمل، في أن يوحد الأندلس العربية تحت رايته، ويقيم في البلاد دولة بني عباد. ولا جرم فقد كانت قرطبة عاصمة الأندلس كلها، يوم كان الحكم العربي مزدهراً بتلك الديار. ويبين المعتمد عن هذا الزهو، وذلك الأمل في قوله:

من للملوك بشأن الأصيد البطل ... هيهات، جاءتكمُ مهدية الدول

خطبة قرطبة الحسناء إذ منعت ... من جاء بخطبها بالبيض والأسل

عِرْس الملوك لنا في قصرها عُرُس ... كل الملوك به في مأتم الوجل

فراقبوا عن قريب، لا أبا لكم ... هجوم ليث بدرع البأس مشتمل

ومن أعظم هذه الأحداث أيضاً تلك المعركة التي دارت رحاها يوم العروبة بين المعتمد بن عباد، والمرابطين، وأمراء الأندلس من ناحية، وبين ألفونس السادس ملك إسبانيا المسيحية من ناحية أخرى، وعرفت في التاريخ بمعركة الزلاقة، وقد تحدث عن صبره على أوار تلك المعركة. والمؤرخون يروون بلاءه فيها، ويثنون على شجاعته واستبساله، وسجل ذلك في حديثه عن ابنه أبي هاشم، وقد ذكره ورحى القتال دائرة، إذ يقول:

أبا هاشم، هشمتني الشفار ... فلله صبري لذاك الأوار

ذكرت شخيصك ما بينها ... فلم يَثْنِني حبه للفرار

ويظهر أنه كان رقيق المعاملة لوزرائه وندمائه، عظيم التواضع لهم، كتب مرة إلى ذي الوزارتين أبي الوليد بن زيدون؛ وكان المعتضد قد أمر أن يكون مجلس الوزير دون

<<  <  ج:
ص:  >  >>