وهناك أنواع من المفردات أتقن الواضع العربي أمرها كل إتقان، وأحكم تدبيرها كل إحكام، فجاءت مهندسة الشكل معينة على بلاغة الأساليب صريحة في دلالتها على عظمة هذه اللغة وعلى جلالة قدرها وارتفاع شأنها. وقد وضعت هذه المفردات لتدل دلالة مفاجئة على المعاني المقصودة، فمن ذلك لفظة (ضيزى) فإذا قرأ أحد قوله تعالى: (تلك إذن قسمة ضيزى) علم بالبداهة أن هذه اللفظة إنما تعني وصف القسمة بالجور والنقيصة، وإن كان لم يسبق إلى ذهنه شيء من تفسير معنى اللفظة، وذلك لأن النمط الذي نسجت عليه يدل دلالة واضحة على أن هذه اللفظة لا ترمي لغير معنى الجور والنقص. وكذلك الحال في معظم ألفاظ العربية فإنها جاءت مقارنة لمعانيها فلم توضع في العربية لفظة خشنة لمعنى رقيق، ولا وضعت لفظة رقيقة لمعنى ثقيل. . . وأسباب ذلك أن الواضع كان يتأثر نفسياً ببعض الأعمال أو ببعض الأمور فيضع لها مسميات بحسب ما يسيطر عليه من الشعور نحو تلك الأعمال والمسميات، فكان إذا كره شيئاً أو اشمأز منه سماه باسم فيه وعورة وخشونة، وإذا أحب شيئاً ورغب فيه سماه باسم فيه رقة وليونة؛ فهو مثلا عندما بوغت يوماً ما بقسمة جائرة اشتد غضبه وعظم انزعاجه فانبرى يصف تلك القسمة بوصف يثير أكبر مقادير الاشمئزاز في النفوس فكان لديه من ذلك لفظة (ضيزى). ويرى الواضع شيخاً هرماً خائر القوى فلا يجد إلا أن يطلق عليه تسمية خشنة تنم عن مبلغ ما اعترى هذا الواضع من الدهشة لذلك المنظر الذي هو رمز من رموز الموت، تلك التسمية هي:(القشْعُمان).
ونجد الواضع يستمع إلى شاعر يلقي قصيدة من الشعر الركيك المهلهل فيمج ذوقه مثل هذه القصيدة ويستسخف مثل هذا الشاعر فيؤلف له من بعض الحروف الخاصة تسمية يصب عليها شعوره الحاد، ثم يطلقها عليه ليثأر منه فينقلب ذلك الشاعر وقد حمل اسماً جديداً هو (القرزام)
ويمشي الواضع في طريق كثيرة التبلد والأعقاد فينهكه التعب ويجهده السير فيلقي على الطريق اسماً جديداً ينم عن شدة تذمره منها وذلك الاسم هو (القردودة) وكذلك أطلق نفس الاسم على شدة برد الشتاء. . . وينزعج الواضع من امرأة كثيرة الكلام والصخب تقطع عليه راحته وتشوش عليه طمأنينته فيطلق عليها اسم (القُراقِرة) تشويهاً لها. ويرى رجلاً