يمكن لزاعم أن يزعم أنه حتى هذه النظرية - نظرية نيتشه - كتب لها البقاء؟
أما من الناحية العلمية فلم يعد لهذا النظرية ظل من الوجود بعد زوال ظروفها وبهذا قضت على نفسها بنفسها.
وأما الغرض الذي قامت من أجله هذه الفلسفة في ألمانيا فهو تخليص الشعب من أزماته النفسية التي حلت به إثر طغيان الروح الرومانتيكية عليه كما قدمنا، وتخليص كذلك من سلطان الدين وسيطرة رجاله، لأن نيتشه كان يظن أنهم أصل كل شر، وأن الدين علم الناس العبودية للناس، هذا فضلا عن بث روح الجندية القوية التي لا تعتمد على شيء خارج عن ذاتها والتي لا تبال بشيء في الشبيبة، لأن موقع ألمانيا الجغرافي يحتم عليها ذلك.
لهذا جعل إنسانه الأعلى هو ذلك الذي يحقق لذاته وآلامه وحاجاته، أو بالمعنى الاصطلاحي (يحقق وجوده) بنفسه وبفعله الإرادي دون خوف أو ترقب لإرادة السماوات فهي لا تمطر ذهباً ولا فضة.
وليس لنا إلا اللحظة التي نحن فيها: إما عشنا عظماء وإلا فلنمت عظماء. ومن السخف أن ينظر الإنسان إلى تالد مجده فهذا شيء قد مات، ومن الغباء النظر إلى الموتى. لنفعل دائماً بإرادتنا شيئاً جديداً نجدد به وجودنا، ولنكن أقوياء نطفر قدما نحو الأمام، وويل لمن ينظر وراءه أو ينتظر عون الإله. فليست الحياة هي التي تحدد للإرادة وجهتها، وإنما الإرادة هي التي تحدد معنى الحياة ووجهتها.
وبفرض أننا تغاضينا عما في هذه النظرية من التناقض البين فمهما يكن من خطئها أو صوابها، فإنها على كل حال قد ماتت واستنفدت غرضها ووجودها أيضاً في مهدها ألمانيا. فماذا يقصد هذا الرجل المعاصر بنشر نزواته في فرنسا ومحاولة نشرها خارج فرنسا؟ شتان بين ما أراد نيتشه وبين ما يريد (اتحاد الشذوذ)، فإنهم يهملون الغاية؛ لأنهم ليسوا لها أكفاء كما أثبتت الحوادث الأخيرة في حرب هتلر، ويتشبثون بالوسيلة ولا هم لهم إلا الإباحة وهتك ستر ما بقي للناس من وشل الحياء.
وفي هذا يقول شاب فرنسي من الوجوديين المتحمسين يصف حال الشبان هناك بعد تفشي هذا المذهب فيهم واعتناقهم له: (كان الرجل البرجوازي يطالب أسرته بأن تتكلم كلاماً