مهذبا وتتأدب بآداب حسنة. . . ولكن ذلك لم يمنع من إتيان المفاسد سراً). (فالأجيال الناشئة إذ تنبذ هذه الحياة الزائفة تصر عمداً على كل هذه النقط التي يراد الحيلولة بينها وبينهم في سنهم الصغيرة؛ فهم يقضون كل يومهم في ضروب التسلية في السينما وصالات الرقص والحانات، وهم يمجدون الكسل ويمارسونه، ويتكلمون كما تتكلم شخصيات سارتر، لغة مشوبة باللهجة الدارجة مملوءة بالألفاظ التي يأباها الحياء. وليس هذا عندهم مجرد ميل طبيعي، بل هم يمون إلى ذلك روح عدم الاكتراث، وهو روح الحياة التي قد خلصت من الأوهام بما فيها وهم اللذة نفسه، ويجمعون إلى ذلك أيضاً نظراً منيراً يعرفون به أن (الوجود) هو هذا، وأن الإنسان لا يستطيع أن يفعل سوى أن يكون موجوداً) اهـ
ولكم بعد هذا أن تفرقوا بين غاية نيتشه وغاية سارتر إن استطعتم إلى ذلك سبيلا.
وأخيراً قولوا لي بربكم مالي أرى الإنسان هكذا يأبى إلا أن يكون عبداً؟
إنه يريد واهماً أن يتخلص من (عبودية) اختيارية سامية يحتمها العقل السليم ويوجهها الذوق المهذب؛ وأقصد بها عبودية المدين للدائن، عبودية المحسن إليه للمحسن، أستغفر الله! فما كان مثل هذا عبودية! وإنما هو الشكر: شكر الموجود لمن أوجده، شكر المخلوق للخالق.
يخدعه الشيطان ويخدع نفسه بوجوب التخلص من هذه العبودية (الثقيلة البغيضة)! ثم يخدع نفسه بوجوب تعطيل الفكر من النظر في آثار رحمة هذا المعبود لكي لا يكون في ذلك منغص لوجوده، وهذا غاية الإفلاس.
ويخدع المسكين نفسه مرة أخرى فيخيل إليه أنه قد صار - بهذا - موجوداً بعد أن لم يكن كذلك؛ لأنه - في زعمه - قد صار (حراً). وما هذه الحرية لو تبصرناها إلا ارتماء في هوة أحط دركات العبودية وأقذرها، وإنها لتتنافى ويستحيل وجودها مع أبسط قواعد التفكير السليم.
أو تدرون ماذا؟ إن الفلسفة حين ارتقت وتقدمت اكتشفت هذا الكشف الباهر وهو أنه إذا كان هنالك إله فهو الشهوة، وإذا كاهن لا بد للإنسان من عبودية فأنعم بها من معبود؛ لأنه يكون حينئذ بكامل حريته، ومهما تكن فهي على كل حال خير ألف مرة من العبودية للإله؟!
رحمك الله يا من قلت: (يظن ابن آدم أنه حر وذلك لجهله مصدر العلل التي تجره لما يقوم