ولكن ليس لنا أن نعجب فهذه بدعة من بدع العصور الحديثة (المودرن) التي تتوهم الحرية في هذا الضرب من الجنون الذي يسمونه الوجودية، وما زالت الليالي حبالى. . .!
فوا ضيعة هذا الشريد المسكين (الإنسان)! إن أهون ما يقال فيه هو أنه عبد بفطرته. ذلكم هو الرأي المتواضع الذي أرجو أن تسمحوا لي بتقريره وقد بلغنا هذا الموضع من حديثنا.
هذه عقدة الفاجعة الإنسانية التي يعاد تمثيلها اليوم على مسرح المدنية باسم الفلسفة الحديثة.
والحق أننا نكون أسوا حالا لو انتظرنا منهم غير هذا. وماذا تنتظر من قوم (خليين) يجلسون في المقاهي وفي المجتمعات والصالات يزجون فراغهم بالمناقشة في أي شيء: في أصل الكونن وكنه الإله، ويصفون الميتافيزيقيا وحقيقة الوجود، وما إلى ذلك من أي شيء يخطر ببالهم؛ ويحكمون على هذا كله حكم من شاهد واختبر وتثبت ما داموا هم قد اقتنعوا بصحة هذا أو بطلان ذاك! ماذا ننتظر من هؤلاء القوم أكثر من انتظارنا من جماعة من الصبية نشأوا في بيت ريفي منعزل: لم يروا أحداً ولم يرهم ولم يختلط بهم أحد ولا يعرفون - فيما عدا بينهم - عن العالم الخارجي شيئاً؛ ثم ننتظر منهم أن يصفوا لنا حياة الزنج في مجاهل أفريقيا، وناطحات السحاب في أمريكا، وطرق المناقشة في هيئة الأمم المتحدة - وصفاً دقيقاً صميما!
والواقع أنه لا فرق بين هؤلاء وهؤلاء إلا أن أولئك نسميهم فلاسفة وهؤلاء نسميهم صبية، كما نطلق على هذا (نبيل) وعلى ذاك (ابن المقفع).