ترفض أحياناً أن تغير أو تتداخل مع تركيب بعض الآلات الدقيقة، حتى لا تفسد آليتها؛ وإذا كان الفنان يخشى في رهبة أن يلمس بريشته إنتاج فنان عظيم، أليس العلماء الفسيولوجيون الذين يتعاملون مع أدق تركيب آلي - وهو الكائن الحي - أليس لهم نفس هذا الشعور؟)
وقد نال بافلوف جائزة نوبل عن أبحاثه في عملية الهضم عام ١٩٠٤. ومع ذلك فقد اشتهر في أبحاث أخرى، كبحثه الشهير في نشاط المخ المعروف باسم (الانعكاسات الشرطية) , ولو أن هذا البحث يبدو مختلفاً عن بحثه السابق، فإنه يتفق معه في موضوعين: فعل الغدد الهاضمة، وإجراء التجارب بدون ألم.
ومن الجلي أنه إذا كان الألم يعرقل عملية المعدة الفسيولوجية، فإنه لا بد أن يعرقل أيضاً عملية المخ الفسيولوجية. إذاً يجب أن تجرى التجارب على المخ بدون ألم، وتراقب في عناية زائدة. ولذلك كان على بافلوف أن ينشئ معملاً خاصاً لإجراء اختباراته على الكلاب بعيداً عن تدخل المختبر، نفسه والأصوات، بل حتى أشعة الشمس.
إن الصلة بين المخ وعملية الهضم ناتجة من الظاهرة الطبيعية التي تربط الفم بالمعدة، تلك الظاهرة التي تدعى (اللعاب). فحينما يشاهد كلب أو إنسان، الطعام، أو يشمه، أو حتى عندما يسمع وقع أقدام الخادم وهي مقبلة به، فإن لعابه يسيل. ويسيل كذلك، بمجرد أن يضع الكلب الطعام في فمه فيأخذ في مضغه. ويفسر هذا الفعل بأنه انعكاس بدأ من التأثير الكيماوي للطعام على سطح الفم الداخلي، تبعته رسالة على طول المسار العصبي، تصل إلى عضلات الفك، ولكن، لماذا يسيل لعاب الكلب بمجرد سماعه وقع خطوات الخادم؟ هل تدخل عقله وفسر ذلك الصوت إلى الفم؟ يقول بافلوف: لسنا في حاجة إلى معرفة أن الكلب لا يعقل. إن الصوت يؤثر على أذن الكلب، فتذهب رسالة إلى الأغشية، ثم إلى الفم. ولكن، لماذا ترسل الأغشية الرسالة إلى الفم؟ ذلك لأنه في الحالات السابقة كانت تعقب خطوات الخادم عملية الهضم في انتظام وبذلك اختلطت الرسائل التي نشأت في الجهاز العصبي من ذلك الصوت بالرسائل التي ولدت عملية المضغ. ونشأ من ذلك أنه في مرة، تبعث الرسائل العصبية التي نشأت من تأثيره، برسالة إلى الفم ليقوم بعملية، يسيل اللعاب.
ويبدو من ذلك، أن أي رد فعل يعزى إلى ذكاء الحيوان، كمعرفة أن صوت وقع الأقدام