للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنفسهم! هنا يا صديقي يتحقق الصدق في الفن، لأن القلب الذي أعنيه بهذه الكلمات هو الذي يغترف من ماء الحياة!

هذا عن الصدق في الفن، أما قولك بأنه ليس من السهل تصور فن منفصل عن الحياة فتجد الرد عليه في كلمتي عن الدكتور طه حسين.

بقي أن أناقش المغالطة الأخيرة عندما تقول عن الحياة في الفن: (لا بد أن تكون الحياة في الفن وليس فقط كل ما يقع في العالم الخارجي ويضطرب فيه الإنسان بحسه وقلبه وشعوره، بل أيضاً كل ما يقع في العالم الخارجي ويستخرجه الإنسان بفكره وذهنه وتأملاته. . . إن الحياة تسكن في كل جزء من أجزاء الإنسان الحي، في قلبه وفي غريزته وفي حسه وفي رأسه. . . ولو جئت بإنسان، شاعر أو مفكر، وحبسته في جب وأغلقت عليه بسبعة أختام وتركته الأعوام، لأخرج بعد كل ذلك حياة!)

ما هذا الكلام يا أستاذ توفيق؟ إن أحداً ممن يفهمون رسالة الفن لا يمكن أن يوافقك عليه!. . . شاعر أو مفكر تحبسه في جب، ثم تغلق عليه بسبعة أختام وتتركه الأعوام، ثم يخرج بعد كل ذلك حياة؟! أية حياة تلك يا صديقي؟ إنها حياة المغاور والكهوف. . . ولا يمكن أن ترضي حياة المغاور والكهوف إلا عشاق الفن منذ خمسين ألف سنة! معذرة يا صديقي فإننا نعيش في القرن العشرين، ومن مزايا القرن العشرين أنه يضيق بالحياة محبوسة بين جدران أربعة، فما بالك لو قدمت إليه فناً تتنفس فيه الحياة داخل جب تغلق عليه بسبعة أختام؟!. . . كلا يا أستاذ توفيق، إننا لا نريد أن نعيش في الماضي الغابر، ولكننا نريد أن نعيش في الماضي المشهود!

أنور المعداوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>