للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جملته صحيح والخطأ فيه يسير)!

أما تلك العبارات التي أشار إليها الأستاذ توفيق الحكيم فقد وردت في كلمتي عن فنه، حين تحدثت عن هذا الفن بين واقع الفكر وواقع الحياة وحين وزنته بميزان القلب والشعور. . . من حقه إذن أن يدافع عن نفسه فيما كتب على صفحات (أخبار اليوم)، ومن حقه أن ينسب إلي بعض الخطأ فيما أخذته عليه، وإن كان الأستاذ توفيق قد اتصل بي عقب أن كتبت عنه ما كتبت متفضلا بإبداء موافقته غير مشير إلى هذا الخطأ اليسير! مهما يكن من شيء فقد كان في كلام الدكتور طه شيء كثير من اللخبطة، أما كلام الأستاذ الحكيم ففيه شيء يسير من المغالطة!

يقول الأستاذ توفيق: (القلب في الفن هو الصدق، لا الصدق بمعناه الضيق المقصور على الشعور العاطفي أو الوجداني، بل أيضاً الشعور بحقيقة فكرة من الأفكار. . . على هذا النحو يجب كذلك أن نحدد معنى (الحياة) في الفن. ما من شك أن الفن هو التعبير عن الحياة، وليس من السهل تصور فن منفصل عن الحياة).

إن الفن يا صديقي ليس هو التعبير عن الحياة، وإنما هو صدق التعبير عن الحياة، لأن التعبير عن الحياة حين يخلو من (الصدق) لا يعد فناً! هذه واحدة. . . أما الثانية فهي قولك بأن القلب في الفن هو الصدق. . . ترى أي قلب هذا الذي تقصد؟ أهو القلب الذي ينبض بشعور صاحبه وحده دون سواه؟ إن هناك كثيراً من أمثال هذا القلب، القلب الذي يخفق بعاطفة لا تمثل عواطف كثير من الناس، وبالشعور بحقيقة فكرة لا تتفق وأفكار كثير من الناس. . . صدقني إن قلباً من هذا الطراز لا يمكن أن يمثل الصدق في الفن، لأنه إذا حقق شيئاً من المشاركة الوجدانية بين الفن وصاحبه، فإنه لا يحقق شيئاً من هذه المشاركة بين الفن ومتذوقه!

كلماتك يا صديقي تحتاج إلى كثير من الدقة وإلى كثير من التحديد. . . القلب في الفن هو الصدق؟ نعم، ولكنه القلب الذي تتفق دقاته ودقات قلوب الملايين، هو القلب الذي يهتز بين جنبي صاحبه فيهتز له الجيل الذي يعيش فيه ومن بعده أجيال، هو القلب الذي يقبس وهج حرارته من أفراح الناس وأحزان الناس، هو القلب الذي يرى فيه كل صاحب شعور صورة من قلبه، هو القلب الذي يستطيع كثير من الأحياء أن يفزعوا إليه فراراً من

<<  <  ج:
ص:  >  >>