للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القائم في حي الزمالك، أشبه بمن يحاول أن يرسم صورة للحياة والناس في منطقة من مناطق القطب الشمالي وهو يعيش في منطقة من مناطق خط الاستواء. . . أقول هذا ولا أزيد!

ويختم الدكتور طه مقاله بهذه الكلمات: (ولكن أريد قبل كل شيء أن يطمئن الشباب الذين لا يتاح لهم التنقل ولا يتيسر لهم مخالطة الناس ومشاركتهم في حياتهم بالفعل، فإن هذا كله لم يتح لكثير من أفذاذ العبقريين ولا لكثير من أوساط الأدباء، فلا ينبغي أن ييأس الشباب الأدباء وأصحاب الفن إذا لم يتح لهم من ذلك ما يريدون)!

لقد كنت أود أن يذكر لنا الدكتور طه اسم عبقري واحد من هؤلاء الأفذاذ الذين لم يتح لهم التنقل ولم يتيسر لهم مخالطة الناس عبقري واحد حتى لا أتهمه بأنه يلقي الكلام على عواهنه. . . إنني أؤكد لقراء (الرسالة) أن طه حسين لو قدر له أن يعيش في بيئته التي نشأ فيها دون أن يرحل إلى أقطار الغرب ليتنقل هنا وهناك، وليتصل بالحياة في أوسع آفاقها ممثلة في مخالطة الناس من كل جنس ولون، ولو قدر له أن يقضي عمره في تلك البيئة التي نشأ فيها لكان حتى اليوم أديباً محدود الأفق قاصر الأداة!

مرة أخرى أعود فأقول: من أعماق الحياة ينبع الصدق في الفن، ولن يتحقق الصدق في الفن ما لم يستخدم الفنان كل حواسه في تذوق الحياة. . . يرقب، ويتأمل، ويهتك الحجب، وينفذ إلى ما وراء المجهول. فإذا استطاع أن ينقل كل ما يلهب الخيال فيها إلى لوحات من التصوير الفني فهو الفنان، وإذا استطاع أن ينقل إلى هذه اللوحات كل ما في القلب الإنساني من نبض وخفوق فهو الفنان الإنسان. وعلى مدار القوة والضعف في دفقة الحياة وخفقة القلب يفترق العمل الفني عن مثيله في كل فن من الفنون!

هذا هو الطريق، فمن شاء أن يسلكه فليسلك، ومن شاء أن ينحرف عنه فلينحرف. . . ولكل اتجاه من هذين الاتجاهين ميزان يقام.

الفن والحياة بيني وبين الأستاذ توفيق الحكيم:

حلقت بك في أفق الدكتور طه حسين، وبقى لي أن أحلق بك في أفق الأستاذ توفيق الحكيم. . . ومرة أخرى أقدم إليك الخطوط الرئيسية في كلمة هذا الفنان الصديق، تلك التي يبدأها بقوله: (ولقد رددت الألسن عبارات (الفن والحياة) و (الفن والشعور). . . وهو كلام في

<<  <  ج:
ص:  >  >>