للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسعدوا بنعيمها وشقوا بجحيمها، إلى آخر هذه الكلمات التي تحفل بطلاوة الأسلوب وتفتقر إلى سلامة المنطق.

بعد هذا انتقل الدكتور طه إلى رأي آخر حيث يقول: (وليس الأديب المعاصر مضطراً إلى أن يخالط الناس مخالطة مادية، فحياة الناس كلها تحمل إليه، وليس اتصال الأديب بالحياة هو العسير الآن وإنما اعتزال الأديب للناس هو الشيء الذي لا يكاد يجد إليه سبيلا).

إنني أوافق الدكتور على أن الأديب المعاصر متصل حقاً بالحياة، ولكن الدكتور ينسى أن هذا الاتصال يفترق عند أديب عنه عند أديب سواه. . . هناك أديب يرقب مجرى الحياة من حجرة مغلقة، وهناك أديب يرقب مجرى الحياة من زقاق ضيق، وهناك أديب يرقب مجرى الحياة من شارع واسع، وهناك أديب يرقب مجرى الحياة من ميدان عام، وهناك أديب يرقب مجرى الحياة من كل حجرة وكل زقاق وكل شارع وكل ميدان! ومعنى هذا أن هناك أدباً هو أدب الجدران المغلقة والآفاق المحدودة، وأن هناك أدباً آخر هو أدب الهواء الطلق والآفاق الرحيبة!.

ومالي أذهب بعيداً والدليل قائم بين يدي من أدب الدكتور نفسه ممثلا في بعض أعماله الأدبية؟ لقد عالج الدكتور فيما عالج من فنون الأدب فن القصة، أعني أنه حاول فيما حاول أن يكون فناناً يصور الحياة وينقل عن الحياة. . . وها هو ميزان النقد يقرر في ثقة واطمئنان أنه قد أحس الحياة يوماً كما يجب أن تحس، وأنه قد عاش فيها بفكره وقلبه وشعوره، وأن هذا الإحساس الصادق الكامل الأصيل المتميز قد انعكس في صورته القوية الرائعة على صفحات (الأيام)! في هذه القصة الذاتية تلهب حسك الفني حرارة الحياة. . . الحياة التي نقلتها حواس طه حسين لا حواس الناس وكتب الناس وأقوال الناس!! ترى هل يستطيع بعض الكتاب عن طريق (القراءة والاستماع) أن يصوروا حياة طلاب الأزهر في أمسهم الغابر خيراً مما صورها هذا الأديب الذي بلى حلوها ومرها وأعني به الدكتور طه حسين؟

نترك (الأيام) لننتقل إلى (شجرة البؤس) و (دعاء الكروان)، ولننتقل من فن الحياة إلى فن المخيلة، ومن فن الهواء الطلق إلى فن الجدران المغلقة. . . إن الأديب الذي يحاول أن يرسم صورة للحياة والناس في إقليم من أقاليم مصر وهو جالس في حجرته من ذلك البيت

<<  <  ج:
ص:  >  >>