للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للأدواء، ويضع في مواضعه الدواء؟!

إنما أخرج المرأة الأوربية من معقلها، وأنزلها عن عرشها هذه الوحشية المدمرة التي قتَّلتْ الرجال فحرمت المرأة عائلها، فخرجت تسعى لنفسها، وتكدح لقوتها. . . ولو خيّرت ما اختارت هذا الشقاء! وما على وجه الأرض امرأة تؤثر السوق والمصنع على سكينة البيت ونعيم الأسرة! إن هذه ضرورات أدَّى إليها تعاسة الإنسان وشقاوته، والضرورة تُقدَّر بقدرها، وينبغي السعي لدفعها، وألاّ نقر لها ونخضع لسلطانها، ونجعلها قانوناً تسير عليه المعيشة، فإنما هي شذوذ عارض، وخلل طارئ، في نظام الأسرة وقانون الأمة.

ويقول فريق: حرَّرنا المرأة من أغلال العصور الأولى، وفككناها من إسار العادات القديمة، وأخرجناها من الظلمات إلى النور، وأطلقناها تمرح كما تشاء، وتخالط الرجال في كل مجتمع، وتغالبهم في كل عمل.

فيقول فريق آخر: نحن ننصركم في التحرير وفك الإسار، والإخراج من الظلمات، ولكنا نرى في كثير مما تفخرون به تسخيراً لا تحريراً، وأسراً لا فكاكاً، ومهانة لا كرامة، وشقاء لا سعادة!

إنا ننظر إلى مدنيتكم هذه فنرى فيها مُتعاً وفِتناً، وملاعب وملاهي، وأسواقاً للذات رائجة، ومجامع للمرح صاخبة، وفنادق للترف آهلة، ونرى تجاراً وسماسرة، وشياطين وسحرة. ثم لا نجد في متعكم وفتنكم وملاهيكم وملاعبكم وأسواقكم ومجامعكم وفنادقكم إلا سلعة واحدة تتداولونها، وبضاعة مفردة تديرونها، ومخلوقاً تعبثون به وتلهون، وتجمعون به المال في أساليب شتى وتتّجرون، هو المرأة البائسة الشقية! لقد أدرتم عليها المسارح والمراقص والحانات، وكل دار للهو، وكل مباءة للاثم، وعرضتموها على النظّارة رقيقة في صورة حرة، ومُكرهة كأنها مختارة، وباكية بوجه ضاحكة، وشقية في ثياب سعيدة، ومبتذلة بدعوى التكريم، ومسخّرة باسم التحرير. . . جعلتموها وسيلة إلى كل كسب، وشركاً لكل صيد، وجلبتم بها المشترين إلى متاجركم، ونشرتم صورها في آلاف الأشكال للترويج لبضائعكم، وجذب القراء إلى صحفكم. . . وأخذتموها إلى سواحل البحار، وإلى مسابح الملاهي، فعرَّيتموها ولهوتم بها ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً، وكذبتم على أنفسكم وعلى الحقائق، فقلتم: حررناها وأسعدناها، وليس للمرأة في هذا كله تحرير، ولا لها من السعادة نصيب. إنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>