للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأدب الصحيح هو ما كان ظلا لحياة الأمة الاجتماعية كلها لا لحياة طبقة خاصة منها.

ولا أمل لحياة الأدب العربي من هذه الناحية إلا بإزالة الحواجز القوية بين العامية والعربية، على أي وجه يرضاه قادة الأمة، ويحفظ للغة العربية مكانتها من حيث هي لغة الدين ورابطة الشعوب الشرقية. إذ ذاك تصبح اللغة حية، والتعبيرات حية؛ وإذ ذاك تزول الحيرة التي نعيش فيها الآن، فإنك تستعمل اللفظ العامي والعبارة العامية، فلا تجد لهما نظيرا في العربية، وإن وجدت لهما نظيراً فنظير ميت ليس فيه حياتهما. كنت أقرأ الآن في جريدة فوجدت فيها كلمة (بعبع) وكنت أسمع فسمعت من يقول: إنه بيت (مُبَهْوَأ) ومن يقول (رزق الهبل على المجانين). ووجدتني إذا أجهدت نفسي قد أعثر على تعبيرات عربية مرادفة لها أو قريبة منها. ولكن ليس فيها حياتها، لأن الحياة وليدة الاستعمال، وأريد الاستعمال الشعبي. وهذا أحد الأسباب في أن مقالات الأستاذ فكري أباظة، والمجلات الهزلية، والهزلية الجدية، لها من الرواج في أوساط الجماهير ما ليس لغيرها، وتتفتح لها نفوس شعبية أكثر مما تتفتح للمقالات العربية الصرفة؛ وترن الكلمة أو العبارة في الأذن رنيناً دونه رنين العربية الكلاسيكية.

(٣) وسبب ثالث هو أن الحواجز عندنا بين العلم والأدب قوية متينة، وإن شئت فقل إنه ليس هناك صلة بين كلية العلوم والآداب، وأن الثقافة التي يتثقفها الأديب ينقصها (غالباً) قدر ضروري صالح من المعلومات العلمية، تجعله يستطيع أن يلم إلماماً ما بالمخترعات والمستكشفات، ويستغلها في أدبه. وهذا القدر يلقفه الأديب الأوربي في بيته وفيما يقع في يده من كتب ومجلات أولية، ثم في مدرسته. وأدباء الطبقة الأولى منهم كانوا على حظ عظيم من الثقافة العلمية استغلوها في منتجاتهم، فأصبحت هناك أنواع من الأدب، ومن التعبيرات والتشبيهات القوية التي تعتمد على الثقافات العلمية، أخذها منهم الشعب واستساغها. أما برنامج الأديب العربي فقاصر من هذه الناحية كل القصور؛ ولذلك كان نتاجه قاصراً كل القصور.

وهناك أنواع من التجديد في الأسلوب والموضوع والنثر الفني والشعر والقصة وغيرها، نعرض لها فيما بعد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>