نطيق المكث في المدن العلمية ومعاملها بين هذا الدخن المتصاعد، والوهج المتطاير! فلنكتف بالوقوف في هذه الزاوية إذن حيث آلة التسجيل التي يدون فيها كل شيء.
وأول ما يصادفنا في هذا المعمل المتواضع توقيع صغير للفلكي الرياضي النابه السير آرثر إد نجتون يقول فيه:(إن صورة الكون كما ترسمها النظريات العلمية الحديثة، توضح لنا ترتيباً للعناصر الأساسية لا يترك فرصة للمصادفة فيه إلا بنسبة واحد إلى ملايين متعددة). يلي هذا توقيع متمم للعالم الجيولوجي (لل) يقول فيه: (إننا كلما تعمقنا بأبحاثنا في أية ناحية من نواحي الكون نجد أوضح البراهين على وجود عقل الخالق وعنايته وقدرته وحكمته).
إلا أن هذا الهمس الذي يعلو بعض الشفاه يشعر بأنه مازال في النفس شيء! ولكن رويداً رويدا؛ فها هو ذا النابغة الألماني (ليبج) عالم النبات الشهير يقدم إلينا في حزمه المعهود أول البراهين التي نتطلع إليها في لهفة وشوق:
(إنني أفضل الاعتقاد بأن كتاباً في علم الكيمياء أو النبات (كتب نفسه) ونشأ من تلقاء ذاته من المواد غير الحية، على الاعتقاد بأن ورقة من أوراق الشجر أو زهرة من زهوره استطاعت أن تخلق نفسها وتتكون من تلقاء ذاتها بواسطة العوامل الطبيعية المجردة) ثم يبتسم وهو يشيح عنا بوجهه قائلاً:(حقاً!) إن دراسة الطبيعة هي الطريق لعبادة الخالق.
ولكننا وإن سلمنا بهذه النتائج يلوح أنا في حاجة لأن نخلو بأنفسنا لحظات نتناقش معها بهدوء: فكيف توصل العلم إلى هذه النتائج؟ وهل هناك براهين أُخر؟
وقبل أن نتم هذا التساؤل - نجد الرجل النشيط ذا الروح اللطيف الجذاب السير جيمس جينز - وكأنما أدرك بفطنته ما نعاني - لأنه يعرف طبيعة النفس البشرية التي قالت لربها (ولكن ليطمئن قلبي) - نجد هذا العالم الإنجليزي يقبل نحونا وبيده طائفة من الكتب وهو يقول متهللاً: إليكم الجواب! ثم يفتح أولها وهو (الكون المحيط بنا) لنجده فيه يأتي بمقدمات مهما تعددت وتباينت فإنها تصل بنا حتما إلى شيء واحد هو (أن في الكون آيات ساطعات صحيحات على وجود قوة مدبرة مهيمنة عليه) لنسمها ما شئنا: المدبر، المتحكم، الطبيعة، الله؛ فإن هذه الأسماء كلها تصل بنا إلى معنى واحد هو (الرب الخالق) الذي نزلت باسمه الأديان.