والأمهات بالشفقة والحنو، والعمل لتعليمهم وتهذيبهم، ومواساة الأسر الفقيرة وإنقاذها من العوز والمرض، وإمدادها سراً بما يحفظ كرامتها ويصون سمعتها، وإنشاء الملاجئ وما يتصل بها لصيانة الصبايا المشردات الآتي لا يجدن من يأخذ بأيديهن في هذا المجتمع المائج ومن يسمع شكواهن في هذا العيش الصاخب.
كل أولئك وأمور أخرى مثلها المرأة بها أولى، وبدخائلها أدرى، وهي احسن قياماً عليها بالرأفة والشفقة واللين والرفق والحلم والصبر.
فلسنا ندفع المرأة عن هذه الأعمال وما أكثرها، وما أعظم العمل فيها، براً بالأمة وإحسانا إلى الجماعة. ويستطيع النساء أن يعملن هنا ما يعجز عنه الرجال عملا دائباً في غير دعوى ولا جلبة، ولا جدال ولا خصومة. ولكن كثيراً من نسائنا مولعات بالقال والقيل، مغرمات بالبطولة والزعامة، يؤثرون الأمور الصغيرة التي يثور فيها الخلاف، ويشتد النزاع، وتذكر الأسماء، ويلتمس الصيت، فراراً من الأمور المجدية الشاقة التي يقوم بها الدأب والصبر والصمت وجهاد الأفكار والأيدي لا الألسن والأقلام.
ورحم الله الغزالي! كان يسمي المسائل التي يشتد فيها الجدل ويتمادى عليها النزاع (بالطبوليات)، ويرى أن كثيراً من فقهائنا يؤثرون هذه الطبوليات الجوفاء على العلم النافع والعمل الصالح والجهاد الخالص لوجه الله.
فما أشد ولوع بعض نسائنا ورجالنا بالطبوليات، يملأ بها الجو ضوضاء، وتشتغل الأمة عما هو أجدى وأعظم وأولى بسعيها وجدها وإعدادها فيما تتصدى له من الخطوب، وما يحيط بها من الحادثات، وما تضطلع به من أمور الإصلاح الكبار، وشئون التدبير الجسام.