للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دائماً - بالضياع - والشقاء). . .

وأطرق زميلك ساعة من زمان ثم قال: (لا بأس عليك، ستجد في بيت فلان بك بغيتك وتحس راحة نفسك، فهو رجل ذو مكانة وشأن وذو ثراء عريض. . . وابنته فتاة في مقتبل العمر ونضارة الشباب، تتألق بهاء جمالا وتشع رونقاً وصفاء، فيها جاذبية الأنثى وخفر العذراء، لم يلوثها بهرج المدينة ولا دنسها زيف الحياة، وهي قد تخرجت في الجامعة منذ قريب. . . وأبوها - سعادة البك - فيه الحصافة والرأي، وبينه وبيني صلات قربى ووشائج نسب. . . وأنت في - رأيي - خير من يتقدم ليخطب ابنته، فهو لا يطمع في مال، ولا يسعى إلى جاه، لكنه يريد رجلاً فيه الرزانة والعقل، لأنه يخشى شباب الجيل، وإن فيهم ميوعة وليناً، وإن فيهم استهتاراً وضعفاً). . .

وتفتح قلبك - لأول مرة في الحياة - لحديث زميلك حين أحسست فيه النصيحة والإخلاص فقلت: (لا ضير، ولكن من عسى أن يكون رائدي وأنا لا أستطيع أن أجد السبيل إليه وحدي؟)

فقال لك الزميل: (إن شئت رافقتك إليه). .

وفي أمسية يوم من أيام الصيف انطلقت - يا صاحب القبعة - بصحبة زميلك إلى دار السعادة البك، وجلستما إليه ساعة من زمان، ثم خرج زميلك وحده. . . خرج ليخلفك إلى جوار البك، وقد أنس كل منكما بصاحبه واطمأن إلى حديثه، فسميت الفتاة عليك بعد أيام، ثم خطبت إليك. . .

وهدأت جائشة نفسك، واستقرت أفكارك إلى شاطئ أمين. . . ولكن ترى فيما كنت تفكر؟ آه. . . إن فلسفتك العفنة قد لصقت بك فلم تترك ساعة واحدة في حياتك. . . لقد خيل إليك أن سعادة البك رجل يستطيع أن يشبع نهم طمعك وأن ينقع غلة أنانيتك، وأن ابنته فتاة تستطيع أن تمهد لك السبيل الوعر، وتفتح أمامك الباب الموصد، ثم تدفعك إلى الهدف في سهولة ويسر، وأنت من ورائها تندفع حتى تبلغ، فتركت مسكنك القذر الوضيع ورحت تعد داراً أنيقة لتستقبل العروس المنتظرة، ونبذت ملابسك القذرة المشعثة لتتأنق في الجديد الغالي ليروق مظهرك في ناظري أهل الزوجة، وتصنعت الرزانة والعقل لتخدعهم بثقافتك الفجة، وتجملت بالرقة والذوق لتصرفهم عن خواطرك السقيمة، وخرجت من عزلتك القاتلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>