للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لتكون رجلا لبس القبعة حيناً أو بعض حين.

وانطلى على سعادة البك ما تكلفت من قول أو فعل فحباك بالثقة، وخصك بالتقدير، وقربك إلى قلبه ونفسه. . . واطمأنت الفتاة إليك ففتحت لك باب حجرتها لتجلس إليها في خلوة، وتحدثها في غير رقبة. .

واندفعت تزين للفتاة أن تصحبك إلى السينما وإلى المسرح وإلى الندي، فما تمنعت ولا تأبت، وهي لا ترى بأساً فيما تفعل لأنك زوجها. . . وتماديت في غيك فأردت أن تحملها على أن تنزع عن نفسها تقاليد الأسرة، وأن تمتهن تاريخها - وهو قد تدفق في عرقها منذ زمان - لترود معك الملاهي الوضيعة، وإن كثيراً منها لينَضم على فنون من الخلاعة والفجور، ويحوي ألوانا من الخداع والإغراء، فهي تثير في الرجل الدوافع الحيوانية، وتبذر في المرأة غراس الثورة على الدار والزوج والأولاد، وألقت الفتاة إليك السلم - بادئ الرأي - ثم استيقظت التقاليد في عقلها فرفضت أن ترتدغ في هذه المباءة، فرميتها أنت بالجمود والرجعية، واحتقرتها لأنها تمسكت بالشرف وتشبثت بالكرامة.

لقد كنت تريدها على أن تندفع في الغواية لحاجة في نفسك.

وأرادت فلسفتك الثعلبية أن تمكر بالفتاة فتخدعها عن نفسها فتتعلم الرقص وتصاحب رفاقك وتتحدث إلى صحابك، تأخذ منهم وتعطي، ولكنها كانت قد جبلت على الحياء وطبعت على الخجل فرأت الطريق أمامها وعراً وبدت لها الغاية صعبة، فتراجعت. .

وجلست إليها - ذات مرة - تخدعها عن نفسها وتغريها أن تصحبك لتزور معاً دار فلان باشا، وزعمت بأنه من ذوي قرابتك، فانطلقتما معا إلى داره مرات ومرات. واستقبلها الباشا - بادئ ذي بدء - في احترام وشملها بالعطف وانهالت عليها منه الهدايا، ثم راح يداعبها في رقة ويعابثها في ظرف، وهي تطمئن إلى عطفه وتسكن إلى حديثه، غير أنه ما تلبث أن سقط عن وجهه قناع التصنع فانكشف عن ذئب مفترس في مسلاخ إنسان، وامتدت يد الباشا إلى الفتاة فذعرت، وأوجست خيفة منه ثم أقبلت عليك تنفض أمامك ذات نفسها فأغضيت عن حديثها وامتهنت هواجس نفسها على حين أنك توقن بأن هذا الباشا داعر شرير لا يتورع عن نقيصة ولا يترفع عن دنيئة. وعز على الفتاة أن تلمس فيك هذا الخلق الواهي المنحل فلاذت بعقلها واعتصمت بكريم منبتها، ورفضت أن ترافقك - بعدها - إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>