٤٥٨) نسخة سجل بتوليه مدرس هذه المدرسة. وقد تكفل فيه الوزير برزق طلبة المدرسة وأستاذها الذي سيشرف على هذا الإنفاق. وفي هذا السجل يتحدث عن السبب الذي دعا إلى بناء مدرسة بثغر الإسكندرية فيقول:(ولما انتهى إلى أمير المؤمنين ميزة ثغر الإسكندرية - حماة الله تعالى - على غيره من الثغور، فإنه خليق بعناية تامة. . . لأنه من أوقى الحصون والمعاقل، والحديث عن فضله وخطير محله لا تهمة فيه للراوي والناقل، وهو يشتمل على القراء والفقهاء، والمرابطين والصلحاء، وأن طالبي العلم من أهله ومن الواردين إليه، والطارئين عليه، مشتتو الشمل متفرقوا الجمع - أبى أمير المؤمنين أن يكونوا حائرين، ولم يرض لهم أن يبقوا مذبذبين متبددين، وخرجت أوامره بإنشاء المدرسة الحافظية. . .)
واختارها ابن السلار الوزير الفاطمي كذلك سنة ٥٤٦هـ (١١٥١م) لإنشاء مدرسة للشافعية فيها، أسند إدارتها إلى السلفي وقد عمرت هذه المدرسة، وكانت تعرف بالمدرسة السلفية حتى بعد وفاة شيخها، وفيها تخرج كثير من العلماء الممتازين ولم يكن للشافعية مدرسة غيرها.
وقبل هاتين المدرسين، سكن الإسكندرية ودرس فيها عالم ممتاز هو محمد بن الوليد الطرطوشي، فقد تزوج من موسرة وهبت له داراً هيأ منها قاعة وهبها للطلبة، وجعلها مدرسة لازم التدريس فيها، وتفقه عنده بها جماعة من الإسكندرية. ولما توفي الطرطوشي سنة ٥٢٠هـ جلس لإلقاء الدرس بها بعده تلميذه سند بن عنان الفقيه المالكي.
تلك حال المدارس قبل عهد الأيوبيين، فلما جاء صلاح الدين استكثر منها، وفتح أبوابها للأقربين والأبعدين، ونصب فيها مدرسين لجميع أنواع العلوم. وقد شاهد ابن جبير هذه المدارس عندما زار الإسكندرية في أيام ابن أيوب وقال عنها في كتابه: (ومن مناقب هذا البلد ومفاخره العائدة في الحقيقة إلى سلطانه المدارس والمحارس الموضوعة فيه لأهل الطلب والتعبد يفدون من الأقطار النائية، فيلقى كل واحد منهم مسكناً يأوي إليه، ومدرساً يعلمه الفن الذي يريد تعلمه، وإجراء يقوم بجميع أحواله. واتسع اعتناء السلطان بهؤلاء الغرباء، الطارئين، حتى أمر بتعيين حمامات يستحمون فيها متى احتاجوا إلى ذلك، ونصب لهم مارستان لعلاج من مرض منهم، ووكل بهم أطباء يتفقدون أحوالهم، وتحت أيديهم خدام