يأمرونهم بالنظر في مصالحهم التي يشيرون بها من علاج وغذاء.)
والظاهر أن أغلب مدارس الإسكندرية كان لطائفة المالكية، فقد عرفنا عدداً جماً من أساطين هذا المذهب يسكنون ذلك الثغر، فمن تلك المدارس مدرسة ابن الأنجب، وقد عرفت باسم مدرسها علي بن الأنجب الفقيه المالكي، وأحد أكابر حفاظ الحديث وعلومه، صحب السلفي وانتفع به، وصحبه العلامة المنذري وأطال صحبته وعليه تخرج، وله نظم علماء كقوله:
أيا نفس، بالمأثور عن خير مرسل ... وأصحابه والتابعين تمسكي
عساك - إذا بالغت في نشر دينه - ... بما طاب من نشر له أن تمسكي
وخافي غداً يوم الحساب جهنما ... إذا لفحت نيرانها أن تمسك
وكان ينوب في الحكم بثغر الإسكندرية ومات سنة ٦٢١.
ومنها مدرسة بني حديد التي درس فيها أحمد بن محمد بن سلامة وهو من رؤساء المالكية توفي سنة ٦٤٥.
ولست أدري إن كانت دار الحديث النبيهية التي تولى مشيختها علي بن أحمد العراقي المتوفى سنة ٧٠٤ وقد أنشئت في عصر الحروب الصليبية أو بعده.
وعرفت الإسكندرية طائفة من أعلام العلماء درسوا في دور العلم المختلفة بها، مما يدل على حركة علمية ناضجة:
فمن فقهاء الشافعية، وكانوا قليلين بها - أبو الحجاج يوسف ابن عبد العزيز، وهو من علماء الأصول والجدل، روى عنه السلفي ومات سنة ٥٢٢، ومحمد بن عبد الله بن النن المتوفى عن ثمانين سنة بالإسكندرية سنة ٦٧٩.
ومن فقهاء المالكية، وكانوا بها أكثرية - أبو الحرم مكي نفيس الدين، وقد أدرك السنين الأولى في الحروب الصليبية، ومات سنة ٥٠١، وألف شرحاً عظيماً لتهذيب المدونة للبراذعي في مجلد، وشرحاً على ابن الجلاب في فقه المالكية أيضا في عشر مجلدات، وأبو الحسن علي بن إسماعيل الأيباري الذي برع في علو شتى: الفقه والأصول وعلم الكلام، وله مؤلفات حسنة، منها شرح البرهان في أصول الفقه، وكان بعض العلماء يفضله على فخر الدين الرازي في الأصول، ومنها كتاب سفينة النجاة، على طريقة إحياء العلوم للغزالي. وكان الفضلاء يقولون: إنه أكثر إنقانا من الأحياء وأحسن منه. وأصله من مدينة