ثم يبن لنا أن الله سبحانه وتعإلى لا يشبه شيئاً من خلقه، وليس كمثله شيء، فلا يجوز عليه ما يجوز على خلقه بهذه العبارة الرائعة:(إن الخالق القادر على كل شيء، والذي لا يخضع للقيود أياً كان نوعها، لا يقيد نفسه بالقوانين التي تسود هذا الكون)
ولم يكتف بهذا بل نزهه سبحانه عن الحلول في زمان أو مكان لأنه (خالق الزمان والمكان) بنفس الحجة القاطعة والأسلوب العذب الرنان.
فالزمن والفضاء اللذان هما إطار الفكر قد كان وجودهما من غير شك جزءاً من هذه العملية - عملية الخلق - وقد كانت علوم الهيئة البدائية تتخيل خالقاً يعمل في الفضاء والزمن فيصوغ الشمس والقمر والنجوم من مادة غفل موجودة من قبل؛ أما النظرية العلمية الحديثة، فإنها تضطرنا إلى أن ننظر إلى الخالق على أنه يعمل خارج الفضاء والزمن اللذين هما جزء من خلقه، كما يعمل المصور خارج لوحته.
وهذا يقابل قول أوغسطين:(لم يخلق الله الكون في زمن بل خلقه مع الزمن).
والحق أن هذا الرأي قديم يرجع إلى زمن أفلاطون الذي يقول:(خلق الزمن هو والسماوات في وقت واحد، وذلك لكي يفنينا إذا أريد فناؤهما. هكذا كان عقل الله وفكره في خلق الزمن)
وحين يهم جينز بتوديعنا لا يفوته أن يؤكد كلامه بقوله:(والآن فإن الآراء متفقة إلى حد كبير يكاد في الجانب الطبيعي من العلم يقرب من الإجماع - على أن نهر المعرفة يتجه نحو هذه الحقيقة وهي أن الكون بدأ يلوح أكثر شبهاً بفكر عظيم منه بآلة عظيمة. . .).
(ولسنا نقصد بهذا العقل بطبيعة الحال عقولنا الفردية - إنما نعني ذلك العقل الكلي الذي نوجد فيه على شكل فكر تلك الذرات التي نشأت منها عقولنا).
وهذا ما يعنيه بعض الفلاسفة المتقدمين من تخويل الفكر إلى مادة، وما يعنيه العلم الحديث اليوم من محاولات لعله يستطيع رداً لطاقة أو تحويلها إلى مادة.
وفي قول جينز تفسير (إلى حد ما) لمعنى قوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون).
على أنه يجب أن نكون أكثر حذراً ولباقة في تمييز حقائق العلم من فروضه وآرائه: