للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فالقانون أو الحقيقة قصدنا، وماعدا ذلك يكون حكمه حكم غيره من الآراء الإنسانية. وعلى حد تعبير الغزالي:

العاقل يقتدي بسيد العقلاء علي رضي الله عنه حيث قال: (لا تعرف الحق بالرجال. اعرف الحق تعرف أهله. فالعاقل يعرف الحق ثم ينظر في نفس القول: فإن كان حقاً قبله سواء كان قائله مبطلاً أو محقاً، ربما يحرص على انتزاع الحق من كلام أهل الضلال عالماً بأن معدن الذهب الرغام) اهـ

هذا هو العلم، وإن شئنا قلنا الدين؛ فكلاهما فطرة الله. وكلاهما في تواترة - في حدود قوانينه ومجموعاته الأزلية - خاضع لإرادة الله وسنته التي منها سنة التطور والارتقاء.

ولعل خير ما أوجهه إلى الشباب تلك العبارة الطريفة التي وجهها إليهم وإلى الشيوخ أيضا قبل اليوم بقرون، المفكر العبقري الإمام الغزالي. قال رحمه الله في كتابه الممتع (المنقذ من الضلال): (إنما مطلوبي العلم بحقائق الأمور فلا بد من طلب حقيقة العلم ما هي؛ فظهر لي أن العلم اليقين هو الذي ينكشف منه المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم. ولا يتسع القلب (أي العقل) لتقدير ذلك؛ بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارناً لليقين مقارنة لو تحدى بإظهار بطلانه مثلا من يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعبانا لم يورث ذلك شكا وإمكانا: فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثلاثة وقال قائل لا؛ بل الثلاثة أكثر بدليل أني أقلب هذه العصا ثعبانا، وقلبها وشاهدت ذلك منه؛ لم أشكك بسببه في معرفتي، ولم يحصل لي منه إلا التعجب من كيفية قدرته عليه؛ فأما الشك فيما علمته فلا.

ثم علمت أن كل مالا أعلمه إلى هذا الوجه ولا أتيقن على هذا النوع من اليقين فهو علم لا ثقة به ولا أمان معه، وكل علم لا أمان معه فليس بعلم يقين) اهـ

تلكم هي قضية الشباب بوقائعها وملابساتها. وهذا غاية ما أمكن أن تصل إليه من وسائل علاجها، والتاريخ بحوادثه شاهدها وأنتم قضاتها العدول، فالحكم لها أو عليها وما يترتب على ذلك منوط بذمتكم أنتم، فعليكم وحدكم تقع جميع تبعاته.

وقبل أن أختم كلامي أرى واجب العلم يحتم علي أن أثبت ضمن أقوالي هذه الحقيقة:

وهي إننا سجلنا في أفقنا المحلي هذه الأيام ظاهرة تنبئ القرائن أنها تتجه وصالح قضيتنا.

ومهما يكن الباعث عليها فإنا على كل حال نرجو أن نستفيد منها إلى حد كبير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>